الأنباط -
بلال حسن التل
دخل حزيناً متألماً من سلوك بعض أقاربه وكيدهم له, لأنه يحاول أن يجمع الصفوف وأن يصل الأرحام, فكان يتوقع العون والمساندة لا الكيد, والتشجيع لا التثبيط.
طيبت خاطره وقلت له لا جديد فيما تواجهه, فأول خطيئة مارسها الإنسان هي الحسد الناجم عن الغيرة, والذي قاد إلى أول جريمة قتل وسفك دماء على وجه هذه الأرض عندما قتل قابيل أخاه هابيل غيرةً وحسداً, وهي واقعة تدلك على أن أشد درجات الحسد هي التي تكون بين الأقارب, وكثيراً ما يلاحظ الأهل غيرة أحد أبنائهم من شقيقه فيقولون "روسية".
منذ أن قتل قايبل اخاه هابيل, ظل الحسد مدخلاً للكثير من الآفات الاجتماعية, وصولاً إلى أنواع مختلفة من الجرائم بما فيها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, فالحسد لا يلد إلا شراً وشروراً, وغالباً ما يقتل الحاسد نفسه, لذلك قال الأوائل "لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله" وقالوا "الحسد لايأكل شيئاً إلا صاحبه", ومن صور عدل الله أن الحسد والسعادة لا يجتمعان, لذلك ترى الحاسد دائم الشقاء لأن نجاح غيره يؤذيه ويشقيه, فالحسد ككل الرذائل الأخلاقيه تودي بصاحبها في النهاية, هكذا يفعل القمار بالمقامر, وهكذا يفعل الربا بالمرابي, لذلك فمثلما أمرتنا الأديان السماوية باجتناب الرذائل الاجتماعية فقد أمرتنا باجتناب الحسد وأخذ الحيطة والحذر من الحاسدين والفرار منهم إلى الله عزوجل " قل أعوذ برب الفلق, من شر ما خلق, ومن شر غاسق إذا وقب, ومن شر النفاثات في العقد, ومن شر حاسد إذا حسد" فهذه السورة القرآنية تبين لنا أن الحسد من الشرور التي تهدد الإنسان الذي عليه أن يتحصن ضدها, لأن الحسد مدخل مهم وواسع من مداخل الأجرام بسبب تعقيد نفسية الحاسد, وهي نفسية فيها الكثير من نقاط التشابه والتقاطع مع نفسية المنافق, فكلاهما يًظهر غير ما يبطن فيستقبلك بابتسامه مصطنعة, يحاول ان يخفي من خلالها غلة وحقده وحسده, حتى إذا ماغبت عن عينه جلدك بسياط لسانه زوراً وبهتاناً, وقال فيك وعنك ماليس فيك, وطعن بسمعتك, وقد قال الأوائل فيما قالوا أنه لا يطعن بسمعتك إلا من تمنى أن يكون مثلك فعجز, ومثلما لا يملك الحاسد سمعة مثل سمعتك فإنه لا يملك ماتملك, والملك المقصود هنا ليس المال بل حب الناس لك وحضورك فيهم واحترامهم لك, وهو ما يغيظ الحاسد فيكيد لك بالخفاء, فالحاسد جبان لا يواجه لكنه يغتال ويطعن بالظهر وهو بهذه الصفات فاسد المرؤة.
ختمت حديثي بالقول لصديقي لا تحزن واستمر فيما انت فيه فلا يقتل الحسد إلا النجاح, لأنه يجعلك تفتخر بذاتك وتثق بها, بينما يشعر الحاسد بالإهانة وعدم الثقة بالنفس وهذه عقوبة شديدة من الله لهذا الشرير.
Bilal.tall@yahoo.com