الأنباط -
الأنباط -عدنان أحمد يوسف
رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا
رئيس جمعية مصارف البحرين
أجبرت جائحة كورونا الحكومات في العالم على التحرك في عدة اتجاهات من أجل حماية مجتمعاتها واقتصاداتها. وقد شملت هذه التحركات قيام المصارف المركزية باتخاذ قرارات تخص السياسة النقدية، مفادها تخفيض سعر الفائدة، وتخفيض الاحتياطات الإلزامية لدى المصارف؛ مما يوفر لها المزيد من السيولة، كما قامت بعض الحكومات بشراء سندات الدين الخاصة بها، لتشجع الأفراد على الاستهلاك.
ولعل الخطوة الأبرز هي كما قلنا تخفيض سعر الفائدة إلى ما يقارب الصفر تقريبا. ففي الولايات المتحدة، اتخذ مجلس الاحتياط الفيدرالي قرارا بخفض سعر الفائدة بين (صفر و0.25%)، وهو ما أدى إلى اتخاذ كافة الاقتصادات المرتبطة بالدولار قرارات مماثلة، وخفض سعر الفائدة، كما حدث في بريطانيا، التي خفضت سعر الفائدة ليصل إلى 0.25%.. وكذلك فعلت دول الخليج، التي تراوحت قرارات بنوكها المركزية بتخفيض سعر الفائدة بين 0.75 و1.5%. وكانت مصر أكبر الدول العربية تخفيضا لسعر الفائدة بمعدل 3%..
وتذهب الفرضية الاقتصادية -التي تعتمد عليها القرارات التي اتخذتها البنوك المركزية للحد من الركود- إلى أنه ينبغي أن تسير السياسات الاقتصادية عكس الأزمة، فإذا كانت الحالة الاقتصادية تعبر عن حالة ركود في الأسواق، فيجب أن تتبنى السياسة الاقتصادية أدوات تحفز على الاستهلاك، وزيادة الطلب، للخروج من الركود والوصول إلى الرواج.
وتتيح هذه الآلية فرصة للمدينين من الشركات والأفراد للاقتراض بسعر فائدة أقل، لسداد مستحقات عليهم بسعر فائدة أعلى، يكون قد حل أجلها أو اقترب. كما تتيح للحكومات المقترضة الفرصة للحصول على تمويلات لتمويل الموازنة العامة، أو لتمويل مشروعاتها العامة الأخرى. فهذه السياسة ستخفف أعباء الديون لهذه الشركات.
كما أن البنوك سوف تستفيد أيضا، وخاصة التي لديها عدد كبير من العملاء في نشاط التجزئة المصرفية؛ فانخفاض سعر الفائدة لهؤلاء العملاء سيدفعهم لمزيد من القروض، وبالتالي العمل على تنشيط سوق السلع والخدمات.
عموما يجب أن لا نغفل أن هناك متضررين أيضا من هذه السياسة، على رأسهم المدخرين، خاصة أصحاب المدخرات الصغيرة، أو أصحاب المعاشات الذين يحصلون على عوائد مدخراتهم من البنوك ليحسنوا ظروفهم المعيشية. كذلك الاقتصادات الناشئة، التي لديها استثمارات أجنبية في دينها العام، حيث تخرج استثمارات الأجانب في الدين العام بسرعة؛ لكونها أموال ساخنة، مخافة التعرض لمزيد من الخسائر.
عموما، سواء نظرنا إلى جانب المستفيدين أو جانب المتضررين، فأن القاسم المشترك بينهما هو مبدأ أساسي قامت عليه صيغ التمويل الإسلامية وهو تقاسم الربح والخسارة مع العملاء.
فإذا نظرنا إلى جانب المستفيدين، نلاحظ إن تخفيض سعر الفائدة يجعل صيغ التمويل تقترب أكثر من النظرة الإسلامية للعمل المصرفي التي ترفض تقاضي الفوائد الربوية واحتساب معدلات ربح عالية على التمويلات والاستثمارات وذلك كجزء من أهدافها لتشجيع إعمار الأرض وخلق الوظائف. ولذلك، أيضا هي تقدم التمويلات وفقا لصيغ يجعلها تتحمل جزء من مخاطرة هذه التمويلات وليس العميل فحسب، وبذلك، فهي سوف تكون أكبر حرصا على تقديم تمويلات سليمة بعيدة عن المضاربة والغرر.
وتبرز أهمية هذا النهج بالذات في الوقت الحاضر، حيث تتسم صيغ التمويل الإسلامي بالعديد من المميزات ومن أهمها الشمولية والتعدد والتنوع والملائمة لتمويل المشروعات المختلفة وخاصة الصغيرة والتمويل في الاقتصاد الحقيقي والتوجه نحو إنتاج السلع والخدمات لتحقيق معدلات تنمية اقتصادية مستدامة، وهي بالضبط ما تحتاجه المجتمعات في الوقت الحاضر. وتتنوع صيغ التمويل الإسلامي الملائمة لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة كعقود البيوع ومنها المرابحة والاستصناع والسلم، وعقود الإجارة، والعقود المبنية على المشاركة في الربح والخسارة كالمشاركة والمضاربة والمزارعة.
أما إذا نظرنا إلى جانب المتضررين مثل المدخرين، فأن خفض سعر الفائدة قد يحفز هؤلاء على المدى المتوسط وعند عودة سعر الفائدة للتحسن للبحث عن صيغ ادخارية أو استثمارية يكونون فيها مستعدين لتقبل قدرا من المخاطرة مقابل الحصول على ربح على مدخراتهم. ونحن نشدد هنا أن تكون مخاطرة محسوبة ومعقولة حتى لو كان العائد أقل. وهنا أيضا نجد أن صيغ الادخار والاستثمار الإسلامية تقدم العديد من الحلول المناسبة لمثل هؤلاء المدخرين.
وختاما، ما نود التأكيد عليه في هذه المقالة أننا مع منهجية تقاسم العائد والمخاطرة، لأن ذلك سوف يحمل البنوك مسئولية أكبر تجاه مخاطرة التمويلات والاستثمارات التي تقدمها وبالتالي سوف تحرص على تقديم منتجات معتدلة المخاطرة وذات معدلات فائدة منخفضة أيضا، وهو الأمر الذي سوف يشجع المقترضين والمستثمرين على الحصول على الأموال لتوظيفها في إعمار الأرض وخلق الوظائف.