البث المباشر
الدفء القاتل: حين تتحول المدافئ في الأردن من وسيلة نجاة إلى حكم إعدام صامت راصد: موازنة 2026 أقرت بنسبة 62٪ من إجمالي النواب اتفاقية تعاون بين " صاحبات الأعمال والمهن" والوكالة الألمانية للتعاون الدولي ألحان ياسر بوعلي ترافق ثامر التركي في وداع ٢٠٢٥ اللسانيات وتحليل الخطاب عمان الأهلية تشارك بمؤتمر الجمعية الأمريكية للنطق واللغة والسمع السفارة القطرية في الأردن تحتفل بالعيد الوطني.. وآل ثاني يؤكد العلاقات التاريخية مع الأردن المنتخب الأردني… طموح وطني وحضور مشرف في المحافل الدولية الكلالدة يحاضر بالأردنية للعلوم والثقافة حول مدينة عمرة من منظور فني شامل. المياه : اتفاقية لاعادة تأهيل محطة تحلية ابار أبو الزيغان بقيمة 36 مليون دولار البلقاء التطبيقية تؤكد ريادتها في التحول الرقمي عبر إطلاق مشروع الفضاء الرقمي الابتكاري الأردن نائبا لرئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب CFI الأردن تحتفي مع الشركاء والإعلاميين بعام من التوسع والإنجازات في فعالية "رواد النجاح" جورامكو تحقق المركز الأول في "جائزة الحسين بن عبدالله الثاني للعمل التطوعي" عن مبادرتها "شجرة لكل طائرة" الأمم المتحدة تدعو لزيادة دعم الدول المضيفة للاجئين الجغبير: القطاع الصناعي يبارك تأهل منتخب النشامى لنهائي كأس العرب إنجاز للخوالدة في بريطانيا: Umniah by Beyon Recognized for Advancing Women’s Employment at the 2025 WEPs Awards رئيس الوزراء يتفقد عدداً من المواقع في عين الباشا والبقعة وصافوط وأم الدنانير الجنائية الدولية ترفض وقف التحقيق بجرائم إسرائيل في غزة

ثنائية القلق: حين يتحوّل "التوجيهي" إلى نظام نفسيّ لا امتحان أكاديميّ

ثنائية القلق حين يتحوّل التوجيهي إلى نظام نفسيّ لا امتحان أكاديميّ
الأنباط -
في الأردن، لا يُعدّ "التوجيهي" مجرّد امتحانٍ نهائيٍّ لمرحلة دراسية، بل يُعامل كمنعطف وجودي، وسؤال مصيري، وتجربة نفسية تُشبه لحظة النطق بالحكم على حياةٍ كاملة. يخشاه الطالب، ويتهيّب منه الأهل، وتحتاط له الدولة، وتتعثّر عنده الوزارة بين عدالة النظام وقسوة التنفيذ.
إنه ليس ورقةً وقلمًا فحسب، بل منظومة شعورية واجتماعية واقتصادية وسياسية تُعيد إنتاج الرهبة عامًا بعد عام، كأن الوطن يعيش كل صيف طقسًا قديمًا للخوف... بطبعات متكرّرة، وأسماء جديدة.

لماذا يخاف الأردني من التوجيهي؟
لأن الخوف لم يَعُد من المادة، بل من المصير. لأن مقاعد الجامعات تُوزّع أحيانًا بميزان الحظ لا ميزان الاستحقاق، ولأن خطأً واحدًا قد يُفسَّر كعقوبة على اثني عشر عامًا من الاجتهاد.
"التوجيهي" في الوجدان الشعبي ليس بوابة عبور فحسب، بل بوابة قلقٍ متوارث، يتحوّل فيها الطالب من كائن فضولي يبحث عن المعرفة، إلى رهينة تُقيّمها العلامات، وتُصنّفها الأرقام، وتُفتّش فيها الدولة عن "الناجح"، وتنسى "الإنسان".

في جوهره، التوجيهي ليس لحظةً تربويّة، بل مرآة لفلسفتنا المجتمعيّة في فهم النجاح. نحن لا نُدرّس فكرًا، بل ندرّب على نمطٍ موحّد من التلقّي، كأننا نَخشى تنوّع الذكاءات، ونرتاب من تعددية الطموحات. الطالب يُقاس بمسطرة واحدة، كأن الخيال عيب، والإبداع خروجٌ عن النص.
وما لا يدركه كثيرون، هو أن القيمة لا تأتي من "مجموعٍ نهائي"، بل من وعيٍ يتكوّن، ومن أثرٍ يُترك. الامتحان الحقيقي ليس ما يُكتب على ورقة، بل ما يُكتب في الحياة.

وإن أخطر ما نرتكبه باسم التعليم، هو أن نُقنع أبناءنا أن العالم لا يتسع إلا لأولئك الذين حصلوا على "العلامة الكاملة"، بينما في الحقيقة، العالم يسير بالعقول التي تطرح الأسئلة، لا التي تحفظ الأجوبة.

في مشهدٍ عابر، سألني أحد الطلاب:
"دكتور، إذا رسبت، هل سأخسر حياتي؟"
نظرت إليه طويلًا وقلت:
"أنت لا ترسب، بل تتعلّم. الحياة الحقيقية لا تسألك عن التوجيهي، بل عن قدرتك على النهوض بعد كل تعثّر، وعلى الحُلم حتى في لحظة السقوط. نجاحك لا يُقاس بنتيجة، بل بإصرارك أن تستمر رغم الخسائر."

أبناءُ هذا الجيل لا يحتاجون إلى منظومة تقيمهم، بل إلى منظومة تؤمن بهم.
الوزارة تعلن كل عام عن تطوير، والشارع يعلن كل عام عن تشكك، ويبقى الطالب معلقًا بين مطرقة الواقع وسندان الحلم، بين مناهج لا تُخاطب العقل، وأحلامٍ لا تحتويها العلامات.
أما الأهل، فيعيشون قلقًا مضاعفًا، يذوبون في لحظة النتائج كما لو أن البيت كلّه كان على طاولة الامتحان.

نحن لا نحتاج فقط إلى تغيير شكل "التوجيهي"، بل إلى تفكيك بنيته الثقافية، إلى إعادة تعريف النجاح والجدارة. أن نُدرك أن "الإنسان" أهم من "الامتياز"، وأن العالم لا يُحرّكه رقم، بل تُحرّكه الرغبة في المعرفة، والحافز الداخلي للتميّز.

يجب أن نكون مع الطالب حين يخذله النظام، ومع الوزارة حين تحاول الإصلاح، ومع الفكرة التي تقول:
الامتحان الحقيقي هو أن نصنع جيلًا يعرف أن مستقبله لا تحدّده ورقة، بل تحسمه إرادته.

وأقول أنا:

حين يتحوّل العلم إلى رُعب، نفقد الأوطان عقولها، ونكسب أرقامًا لا تُفكّر."

وأختم بهذه الأبيات الشعريه لي:

نمضي وتسبقنا الخطى في قلقِنا
نحيا كأن العمر مرهونٌ بها
يا توجيهي، لسنا خصومًا إن صفحت
لكننا نخشى بلادًا تؤلّه الورقة

بقلم د. عمّار محمد الرجوب
كاتبٌ وباحث، يؤمن أن التعليم يبدأ من سؤال، لا من إجابة.
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير