الفريق الركن محمود عبد الحليم فريحات
منذ أن بدأت مسيرة الدولة الأردنية المباركة, كانت القوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي ومعها بعض من الوحدات الأمنية آنذاك تشكل النواة الأولى لهذه المؤسسة الوطنية التي حملت رسالة خالدة, رسالة الثورة العربية الكبرى, وتجذرت في نفوس أبنائها كل القيم السامية والأخلاق الحميدة, ووضعت لنفسها منذ البدايات الأولى دستوراً للشرف العسكري, وأخلاق الجندية ونواميسها حتى أصبحت مدرسة في الانضباط والطاعة والولاء والانتماء والتضحية, وتطورت برعاية هاشمية مباركة, وبنت علاقات مميزة مع جيوش العالم, وخاضت الحروب دفاعاً عن هوية الأمة ووجودها ومصيرها وكبريائها, وكان لها الدور الكبير في بناء كيان الدولة الأردنية, وكانت الرائدة في الإدارة, وتحمل المسؤولية, وتدريب القوى البشرية وتأهيلها وإدخال التكنولوجيا وتطويعها, وأسهمت بشكل فاعل في بناء العلاقات الاجتماعية وتحقيق الأمن والطمأنينة داخل حدود الوطن, فمنذ عهد مؤسسها المغفور له بإذن الله الملك الشهيد عبدالله الأول, مروراً بالملوك الهاشميين الملك طلال والملك الحسين عليهم رحمة الله, وهي تحظى بالدعم والرعاية والاهتمام في مختلف المجالات, وفي عهدهم الميمون كان لها صفحات المجد والتاريخ, تخضبت بدماء الشهداء وبكل معاني الشرف والرجولة في المعارك وميادين السلام والبناء والعطاء اللامحدود في شتى الميادين.
واستكمالاً لهذه المسيرة المباركة التي تكللت بالانجاز تلو الانجاز والعطاء اللامحدود وإطلالة هذه المناسبات المباركة ميلاد جلالة القائد الأعلى السابع والخمسين والذكرى العشرين لتولي جلالته سلطاته الدستورية نستذكر صفحات من هذه المرحلة التي تعرضت للكثير من التحديات محلياً وإقليميا ودولياً.
ومنذ أن كان جلالة القائد الأعلى الملك عبدالله الثاني ابن الحسين, احد قادتها في الميدان, كان همه الأول أن يكون هذا الجيش في مقدمة جيوش المنطقة والعالم, تسليحاً وتدريباً وتأهيلاً, جيشاً محترفاً قوياً قادراً على مواجهة كل الأخطار والتحديات, حيث أولاه جلالته الرعاية والاهتمام في كل شؤونه, وهيأ له الأسباب التي تضعه في المقدمة, وقد تمثل ذلك بتطوير قدراته العملياتية والتدريبية واللوجستية, والاهتمام بمنتسبيه ورعاية شؤونهم المعنوية, والاجتماعية, فجاء تركيز جلالته على إعادة هيكلة القوات المسلحة, بما يتناسب مع أدوارها ومهامها والواجبات المطلوبة منها, كما كان لجلالته الدور الأول في إيجاد المراكز المتخصصة, في التصميم والتطوير والتدريب النوعي الذي أتاح للقوات المسلحة تحقيق جزء كبير من متطلباتها في الميدان إلى جانب توفر شراكة تصنيعية وتدريبية مع عدد من الشركات الدفاعية ومؤسسات التدريب في مختلف جيوش العالم, كما أطلق جلالته منذ منتصف تسعينات القرن الماضي فكرة المعارض العسكرية المتخصصة والتي أتاحت للأردن وقواته المسلحة والأجهزة الأمنية الاطلاع على أفضل الصناعات المتخصصة في مجالات مكافحة الإرهاب, ومهام الأجهزة الأمنية وقوات العمليات الخاصة من خلال معرض سوفكس, الذي يعقد عاماً بعد عام, وأصبح الأول عالمياً في مجال تخصصه والمكان الأنسب للتزود بكل ما هو جديد في هذا المجال, كما أصبح مطمحاً لكبرى الشركات الصناعية للمشاركة فيه ومنها مركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير كادبي كما جاء إنشاء مركز الملك عبدالله الثاني لتدريب العمليات الخاصة كأول مركز متخصص في الإقليم, إضافة نوعية أتاحت لمختلف وحدات القوات المسلحة الميدانية وخصوصاً العمليات الخاصة, أن ترتقي بأدائها وتدريبها وتأهيلها إلى أفضل المستويات التي تحاكي أفضل أنواع فنون القتال على مستوى العالم, وأصبح هذا المركز مقصداً للعديد من جيوش العالم, لما يتمتع به من سمعه ومكانة وتجهيزات ونوعية في التدريب تلامس احتياجات مختلف الجيوش العالم, وفي مجال توطيد العلاقات مع مختلف الجيوش, كانت التمارين المشتركة محط الاهتمام من لدن جلالة القائد الأعلى, وفي مقدمتها تمرين الأسد المتأهب الذي يجمع كل عام أفضل جيوش الإقليم والعالم, لتبادل الخبرات والمعارف والتدريب المشترك لمواجهة مختلف التحديات بالإضافة إلى المسابقات الدولية في مختلف الفنون العسكرية, وفي مقدمتها مسابقة المحارب الدولية السنوية, والتمارين الثنائية مع مختلف جيوش العالم.
لقد ركزت التوجيهات الملكية السامية للقيادة العامة على العناية بالجنود, والمصابين وذوي الشهداء, وتلمس احتياجاتهم, ومتابعة شؤونهم, وفي هذا الإطار تم تحسين أوضاعهم المعيشية وتهيئة المرافق الإدارية وتزويدهم بأفضل أنواع الأسلحة والمعدات, وتم إنشاء صندوق الشهداء وجمعيات المصابين, وأولت القيادة العامة للقوات المسلحة هذه المواضيع كل عناية واهتمام والمتابعة, وكلفت المديريات المعنية بتنفيذ التوجيهات الملكية في هذا الشأن, إلى جانب التواصل الدائم والمستمر مع المتقاعدين الذين قدموا لهذا الوطن زهرات شبابهم, وبنوا وأسسوا وضحوا في سبيل أن يبقى الأردن حراً عزيزاً آمنا مستقراً.
وفي عهد جلالته الميمون, تم إنشاء عديد من المستشفيات في مختلف المحافظات وكذلك المراكز الصحية ومدراس الثقافة العسكرية, وكان للقوات المسلحة الأردنية في عهد المسيرة المباركة الدور الأكبر في الحد من البطالة والفقر واستوعبت الالآف من أبناء الوطن بين صفوفها وكانت الرائدة في مسيرة التنمية الشاملة.
لقد حضيت القوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي برعاية خاصة واهتمام مباشر من جلالة القائد الأعلى, وهذا الذي أشرت إليه جزء يسير من مخرجات هذه الرعاية, وهذه المؤسسة هي الأقرب إلى قائد الوطن وراعي المسيرة جلالة مليكنا المفدى, وقائدنا الأعلى حفظه الله ورعاه وأطال في عمره ومتعه بالصحة والعافية.
وكل عام وجلالته بألف خير