لم تمنع الأمطار وسوء الأحوال الجوية المئات من الشباب والنساء والكهول من الخروج للشارع للاحتجاج على الحكومة والهتاف ضد الضرائب والاسعار والمديونية والفساد ونهج الادارة وتأخر جلب ومحاسبة المطلوبين في قضايا الفساد المعلنة.
الهتافات التي تتغير من لحظة لأخرى ومع كل مرة يصعد احدهم على اكتاف الجمهور تشير الى عفوية الاعتصامات واحتمالية تطورها في اتجاهات أخرى. بالرغم من تباين الهتافات والمطالب إلا أن استمرار خروج الناس وتعدد الشرائح المشاركة وانضمام فئات كبار السن لجمهور الدوار ظاهرة جديدة يصعب تجاهلها او التقليل من اهميتها ودلالاتها.
تكرار المظاهرات وثبات اساليب التعاطي والمعالجة الحكومية تعبيرات واضحة عن عمق الأزمة وتدهور مستوى الثقة بين المؤسسات التي تدير الشأن العام والشارع الاردني. التشكيك والاتهامات المتبادلة لا معنى لها ولا تخدم الأمن والاستقرار الذي يشكل أولوية قصوى لدى الأردنيين كافة.
الملفت للجميع انضباط الشارع وعقلانية الأجهزة الأمنية فحتى اليوم لم يسجل على أي من المشاركين التسبب في إتلاف الممتلكات أو التعدي على الحريات أو ارتكاب أي من الافعال التي يرتكبها المتظاهرون في فرنسا وبلجيكا وغيرهما من بلدان العالم. الشباب الاردني محب للوطن وملتزم بثوابته وحريص على استقراره وطامح للتغيير الإيجابي. على الجانب الآخر تبدو الحكومات مرتبكة في خطابها وخياراتها وأولوياتها فالفرصة مواتية لطرح مشروعات إصلاحية كبرى تسهم في بناء أردن جديد يحلم به الجميع ويشارك فيها الشباب. العديد من الافكار التي تطرحها الحكومة سرعان ما تختفي دون معرفة الأسباب. قبل أشهر قال رئيس الوزراء أمام مجلس النواب بأنه سيوجه المدارس للمشاركة في قطاف الزيتون ليأتي الموسم دون أن تظهر المدارس. وقبل أيام ظهرت فكرة العودة إلى خدمة العلم وسط شروحات متناقضة لطبيعة الفكرة وغاياتها وجمهورها وفيما اذا كانت الإناث جزءا من المشروع وغيرها من التسريبات.
ما تقوم به الحكومة ليس جديدا فخلال العقود الماضية تبنى الأردن عددا من الشعارات التي اتخذت عناوين للمراحل دون أن تترك أثرا ملموسا على الواقع الأردني أو تحدث الفرق الذي نتطلع إليه. اليوم ومع دخول الدولة للمئوية الثانية فلا أظن أن أحدا في الأردن لا يتمنى انتقال البلاد الى مكانة متقدمة بين دول العالم فهي تمتلك الكثير من المؤهلات والاستعدادات التي تحتاج الى عزيمة وإصرار وإرادة.
الكثير من الأردنيين يرقبون تحقق النهضة التي وعد بها الرئيس عند تشكيل الحكومة وقد تنامى أملهم عندما قدم تصوراته الأولية لها في محاضرته الشهيرة في الجامعة الأردنية. حتى اللحظة لا يوجد او لا يعرف الناس بوجود خطة للنهضة الوطنية الموعودة وجلهم يتطلع الى الوقوف على ملامحها والتعرف على مجالاتها وأهدافها وأولوياتها ووسائلها ويتساءلون عن الادوار المتوقعة لهم في تنفيذها والصورة التي سيكون عليها الاردن بعد عام او عامين من المباشرة بتنفيذها.
من المؤسف أن لا أثر لخطة النهوض الموعودة في موازنة الدولة للعام القادم كما لم يظهر في أدبيات وسلوك الحكومة ما يوحي بوجود مثل هذه الخطة. باستثناء ما قاله الرئيس في معرض التسويق لقانون الضريبة والحديث عن ثلاثة مسارات للاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي على هيئة قوة الدولة ودورة الاقتصاد والتكافل الاجتماعي لا يبدو ان احدا من الفريق الحكومي بصورة ما يرمي له الرئيس ولا أثر لوجود فرق تعمل على تطوير المفاهيم وبناء التصور لما يترجم النوايا الى افعال.
النوايا والوعود لا تصنع مستقبلا والاسراف في نسج الخطابات والشعارات وبرامج العلاقات العامة لا تفيد إلا إذا كانت تتحدث وتعكس إنجازات على الأرض.