توشك الحكومة أن تنهي المفاوضات القاسية مع صندوق النقد الدولي، بعد جولات مكثّفة، خلال الأسابيع الماضية، واجهت فيها تعنّتاً ملحوظاً من مسؤولي الصندوق، الذين رفضوا أغلب الاقتراحات الحكومية المعدّلة للمشروع.
من الواضح أنّ المشروع المعدّل، بعد إقراره من مجلس الوزراء، كما هو متوقع خلال الأيام المقبلة، سيأخذ عشرة أيام إلى نشره رسمياً، ثم يتم تحويله إلى مجلس النواب، ما يعني صعوبة شديدة في إلحاقه بالدورة الاستثنائية الحالية، وترجيح أن يوضع على طاولة الدورة العادية، ضمن أولوياتها، في بداية الشهر المقبل.
إذا، ستخرج الحكومة من معركة صندوق النقد الدولي إلى معركة لا تقلّ ضراوة مع المجلس، الذي ذاق الأمرّين من مشروع قانون حكومة الملقي، وسيرفع وتيرة نقاشاته للمشروع الجديد. ما يعني أنّ الحكومة ستكون بالفعل مشدودة بين حدّين؛ الأول شروط صندوق النقد الدولي ومطالبه والثاني سقوف مجلس النواب، وسيكون السؤال عن مستوى المرونة المتاحة للمجلس في تعديل بنود القانون!
حرصت الحكومة في المشروع الجديد على ألا يمسّ الطبقة العامة (الغالبية العظمى)، العائلات التي لا تتجاوز دخولها الألف دينار وبضع مئات شهرياً، مع رفع سقف الضريبة على الشرائح التالية بالتدريج، ما يعني أنّ الطبقات الوسطى العليا والثرية هي المتأثر الرئيس بالمشروع المطروح.
ضمن هذه المعادلة، وفي ضوء عدم وجود بدائل حقيقية عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لأنّنا نتحدث عن مليارات من الديون مطلوبة في بداية العام المقبل، ومستويات بطالة وانخفاض في النمو الاقتصادي، مع التباس وريبة من المواقف الدولية والإقليمية تجاه الأردن، وانقطاع الدعم الخارجي، فكل هذه الظروف تجعل عامل الوقت صارماً، على الأقل على المدى القريب، فإنّ الحل الوحيد هو إيجاد معادلة يتم من خلالها وضع الحمل الأكبر على الطبقات الغنية، لحماية الطبقات الفقيرة.
مفهوم الطوارئ يطلق -في العادة- على الأوضاع السياسية والأمنية، بينما الحال في الأردن اليوم -ضمن المؤشرات المقلقة جداً الراهنة- تتمثل في أنّ المخاطر الاقتصادية والمالية هي الأكثر تأثيراً على الأمن الوطني والاستقرار الاجتماعي والسياسي، وهي التي تفرض حالة طوارئ رمزية، اقتصادياً، بمعنى الخروج من النمطية التقليدية في سلوك الدولة والمواطنين، وبما أنّ المصدر الرئيس للموارد هو الضرائب والرسوم، فمن باب العدل وكوازع وطني وأخلاقي، المطلوب أن تتحمل الطبقات العليا مسؤولية رئيسة في هذه اللحظة بدلاً من زيادة هموم الطبقة العامة الكادحة، التي بالكاد تكاد تتكيّف مع الظروف والضغوط الراهنة!
لا تقل التحديات اليوم عمّا واجهناه في عقود سابقة. فالأزمات المالية والاقتصادية أصبحت أكبر تأثيراً، وأشدّ حساسية، وأكثر خطورة في بعض تفاصيلها من التحديات العسكرية والأمنية، لأنّها -أي الاقتصادية والمالية- تأخذ أبعاداً اجتماعية وسياسية وثقافية، وداخلية بامتياز، وتتطلب جبهة داخلية متحدة، ما يعني ضرورة تقريب المصالح والآراء بين الطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة.
من الضروري طمأنة المواطن بأنّ الأردن دولة قوية وليست هشّة، وأنّنا عبرنا مراحل عسيرة في العقود الماضية وتجاوزنا أخطارا وتحديات كبرى، وصمدنا، لكن من المهم في الوقت نفسه أن يتذكر دوماً بأنّه هو -المواطن- كان عنوان الصمود والتضحية والبسالة، ونذكّر الحكومات بأنّ الشفافية والمصارحة مع الشارع، واحترام عقله وذكائه، هي سفينة العبور خلال تلك التحديات.