قلبي على الاْردن
مروان العمد
في هذه الأيام وفي هذه الظروف فأن قلبي على الاردن . وان خوفي عليه يصل الى درجه الهلع . البعض قد يرى موقفي هذا تشاؤماً مبالغاً فيه وهذا ما اتمناه من كل قلبي . والبعض قد يعتقد ان هذا الموقف مبني على معلومات خطيره وسريه لدي وهذا ما انفيه . لكن موقفي هذا نابع من تجاربي ومتابعاتي للأحداث التي مرت بها المنطقه وربط الخيوط ببعضها وتحليلها واستخلاص التوقعات منها .
بالنسبه للأردن فقد كان منذ البدايه في عين الحدث وكان هدفاً للربيع للعربي الذي كان قد اندلع في تونس ثم امتد الى ليبيا ومصر ثم اليمن وسوريه والذي كان الغايه منه تقسيم دول هذه المنطقه واستبدال انظمه الحكم فيها بأنظمه مذهبيه وعرقيه مختلفه متصارعه ، وتمكين أنصار الاسلام السياسي المعتدل من السيطره على بعض هذه المناطق متخذين من التجربة التركيه مرشداً . ولخلق شرق اوسط جديد على الطريقه الاميركيه . ولهذا وبعد ان انتهى ربيع مصر بسيطرة الاخوان المسلمين عليها ، وبعد انتخاب محمد مرسي رئيساً لجمهوريتها برزت أصوات على الساحه الاردنيه تهلل فرحاً باقتراب قفزها الى كراسي السلطه واخذت المسيرات التي تحاكي تجارب الربيع العربي في الدول الاخرى تتكرر في جميع مدننا وبلداتنا . واخذت هذه المسيرات ترفع من سقف شعاراتها حتى طالت سيد البلاد وطالبت بحصر سلطاته بل ذهبت في الكثير من الأحيان الى ابعد من ذلك .
وتحولت هذه المسيرات الى استعراضات عسكريه والى ملثمين يسيرون بملابس وخطوات عسكريه ويرفعون شعارات جماعتهم وحزبهم . وقد ترافق مع ذلك حرب اقتصاديه قامت بها التنظيمات الارهابيه في سيناء والتي كانت ولا زالت تحظى بدعم ومناصره اخوان مصر وأخذت في تفجير انبوب الغاز القادم الى الأردن وسط سكوت ومباركه نظام محمد مرسي لغايه هدم الاقتصاد الأردني وبالتالي هدم الدوله الاردنيه للقفز عليها وما ترتب عليه هذا الامر من خسائر ماليه للأردن .
ولكن حنكه القياده الهاشميه الاردنيه واستيعابها لكل هذه المسيرات والحركات وعدم استخدام الحل الأمني . ولوعي الشعب الأردني الذي لم تجرفه شعارات الشارع ولا شعارات الربيع العربي ، ولتعثر هذا الربيع في دوله وتحوله الى حروب اهليه اكلت الأخضر واليابس ودمرت البلاد والعباد ولسقوط نظام مرسي على يد السيسي كان له أثره في فشل هذه المحاوله واندثارها دون ان يزول الحلم بأمكان تحقيقها يوماً ما .
تلا بعد ذلك فتره كانت هنالك حاجه للأردن لتشكيل التحالف الدولي لمحاربه الاٍرهاب والاستفاده من موقع الأردن في قلب دائره الربيع العربي . ولجعله نقطه لجوء وأمان للهاربين من ربيع بلادهم . كما كان للقياده الهاشميه وثقلها الدولي درع حمايه لامتداد الربيع العربي اليه . الا انه مع تطور الأحداث في دول الربيع العربي وخاصه في كل من سوريه والعراق واقترابها من خواتيمها ووصولها الى مرحله توزيع الغنائم رُصدت تغيرات جذريه في التعامل مع الأردن ولدوره في المنطقه . وكانت البدايات في العمل على تحجيم الدور الذي يقوم به الاردن على مستوى أزمات المنطقه . فبعد ان كان للأردن دور في الازمه السوريه وإيجاد منطقه خفض التوتر في الجنوب السوري بهدف توفير الأمان لسكان هذه المنطقه وابعاد المليشيات الايرانيه عنها فقد اصبح يقوم بهذا الدور تنسيق أمريكي روسي إسرائيلي بتوافق مع النظام وقوى المعارضه وظهر ان الهدف الرئيسي من هذه المناطق هي حمايه اسرائيل وليس الأردن .
كما لوحظ في الفتره الاخيره تجاهل صهيوني كبير للدور الأردني في المنطقه سواء على ولايته الدينيه الهاشميه على الإمكان المقدسه او على مستوى التنسيق المشترك المتبادل لتخفيف حالات التوتر ومعالجه الاشكالات اليوميه التي تحدث . وكانت البدايه من حادثه استشهاد القاضي الأردني رائد زعيتر على الجسر على يد احد عناصر الجيش الصهيوني اثناء ان كان في طريقه لزياره أقاربه في الضفه الغربيه ، حيث تجاهلت السلطات الصهيونيه المطالبات الاردنيه المتكرره لأجراء تحقيق بهذه الحادثه ومعاقبه الجندي القاتل . وكما وانه وبعد تشكيل هذه اللجنه فقد مارست السلطات الصهيونيه اُسلوب المراوغه والتسويف في أجراء التحقيق . وعندما حصلت مشكله البوابات الالكترونية على بوابات الأقصى فقد تعمد الجانب الصهيوني تجاهل محاولات صاحب الولايه الدينيه على هذه المناطق لإيجاد مخرج لهذه الازمه ، في حين استمعت تلك السلطات لجميع التدخلات وفي النهايه نُسب فضل حل الازمه لدولتين عربيتين لم يكن لهما دور في السابق بهذا المجال . ثم جاءت قضيه السفاره الصهيونيه في عمان والتزام الأردن بالاتفاقيات الدوليه المتعلقه بالحمايه الدبلوماسيه على ان تقوم تلك الدوله بواجبها اتجاه هذه الاتفاقيات وان تقوم هي بمحاكمه حارسها القاتل . الا انها تصرفت بكل عنجهيه واستهتار ازاء المطالب الاردنيه . وكان واضحاً انها تريد إلغاء الدور الأردني بالنسبه للقضيه الفلسطينيه والغاء الولايه الهاشميه على الأماكن المقدسه وتوكيلها الى جهه دوليه او عربيه أخرى .
ومن ناحيه اخرى فقد تم اجراء حصار اقتصادي شديد على الأردن لا يقل اثره وضرره عن الحصار الذي فرض عليه اثناء الحرب الثلاثينيه على العراق . وكانت البدايه في محدوديه المساهمه الدوليه الماليه في كلف أقامة المهاحرين السوريين في الأردن وعدم الاعتراف الا بألمقيمين في المخيمات كلاجئين متجاهلين الأضعاف المضاعفه من اللاجئين السوريين المقيمين خارج المخيمات وما يترتب على ذلك من تكاليف في توفير الطعام والدواء والماء والتعليم والسكن لهم في دوله تعتبر الأفقر بتوفر هذه العناصر فيها حتى لأبناء شعبها .
ثم اكتمل الامر بأيقاف جميع المساعدات الماليه التي كانت ترفد الخزينه الاردنيه من الدول الخليجيه والاستعاضه عنها بصناديق استثماريه ولدت ميته ، مما زاد من صعوبه الأوضاع الاقتصاديه الأردنيه والتي من خلالها دخل صندوق النقد الدولي على الاْردن ووضعه امام خيار واحد لا ثاني له يتمثل بوقف الدعم عن السلع المدعومه وفرض ضرائب جديده على العديد من السلع لتوفير متطلبات هذا الصندوق .
ثم كانت الضربه الكبرى وهي اعلان ترامب الاعتراف بالقدس كعاصمه تاريخيه وأبديه لأسرائيل ونقل عاصمه بلاده اليها وإعلانه ان قيام بلاده بذلك يخرج القدس من دائره المفاوضات ما بين الجانب الفلسطيني والجانب الأسرائيلي ، الامر الذي كرر قوله اكثر من مره . وقوله ان الحل اصبح دولياً ولا يشترط به أخذ رأي الفلسطينين . يضاف الى ذلك ما اشيع عن موافقه الاداره الأمريكيه على قيام اسرائيل بضم مستعمراتها في الضفه الغربيه اليها رغم نفي الاداره الامريكيه لذلك لاحقاً ، مع معارضه الاْردن لهذه الأجراءات والتهديدات الامريكيه لكل من عارضها .
ويأتي بعد ذلك الحديث الذي يدور عن صفقه القرن والتي تم تسريب بعض ملامحها والتي تلغي حل الدولتين وتفرض الحل الذي يرضي الجانب الاسرائيلي وهو حل الدوله الواحده اليهوديه الهويه . وان ما يتبقى اما ان يكون اداره محليه هزيله او يتم الحاقها بالأردن لتتولى هي هذه الاداره الهزيله . وأما ان تكون هناك دوله يهوديه غربي النهر ودوله فلسطينيه شرقي النهر وهو الحل الذي عُقد له مؤتمر في القدس قبل أشهر بدعم من حزب الليكود وبحضور عناصر يطلقون على أنفسهم أئتلاف المعارضه الاردنيه بألخارج بقيادة الصهيوني الأردني مضر زهران وتحت عنوان الخيار الأردني . وهذا يعني ان الاْردن هو الحل وهو الدوله الفلسطينيه الموعودة الامر الذي ترفضه القياده الاردنيه والفلسطينيه ويرفضه الشعبان الأردني والفلسطيني .
وحتى يمكن ان يكتب لهذا الحل التطبيق فلا بد من تغيير بعض التوازنات على الارض .
واذا ربطنا العناصر السابقه ببعضها فأننا نجد ان هناك خطه لتجاهل الدور الأردني بقضايا المنطقه بما فيها القضيه الفلسطينيه وإظهاره بمظهر الضعيف العاجز عن الدفاع عن حق مواطنيه مما قد يؤدي الى تأليب مواطنيه على نظام حكمه وانفضاضهم عنه . كما ان زياده الضائقة الماليه التي يعيشها تهدف الى خلق شرخ ما بين الشعب الأردني والقياده الاردنيه .
وهنا وجدت هذه القوى الدوليه ان الظروف أصبحت مهياة لكي يتم اللعب في الورقه الاردنيه وزعزعه استقراره لخلق ظروف مناسبه لفرض الحلول المرسومة له . وهنا وجدت دوله الصهاينه ان الوقت قد حان لأعاده فتح غرفه عملياتها في عمان فقدمت بعض التنازلات ودفعت بعض التعويضات وطرحت اسم سفير جديد خبير في شؤون الشرق الأوسط وسبق وان عمل في السفاره الصهيونيه في عمان لثلاث سنوات ويجيد العربيه بطلاقه ولديه العديد من الابحاث في الشؤون الاسلاميه ويحمل الماجستير في الاسلام المتشدد . أي الشخص المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب .
وقد استخدمت هذه القوى عده اسلحه لتحقيق هذه الغايه وكان أولاها استثمار حاله الفساد المالي والاداري التي استشرت في البلاد وحالات الخصخصه وبيع مقدرات الوطن ، واموال الشركات التي اختفت وعدم ملاحقه الفاسدين والمختلسين والفساد الاداري والمحسوبيه في التعينات والترفيعات وتخصيصها للأقارب والخلان . وحاله العجز الحكومي الاداري والاقتصادي واستسهال جيب المواطن لتوفير الاحتياجات الماديه حسب متطلبات صندوق النقد الدولي وما ترتب عليه من رفع الأسعار وخاصه على الخبز قوت المواطن الفقير لزيادة احتقان الشارع الأردني والتضييق عليه ودفعه للنزول للشارع .
وكانت نقطه البدايه واشاره الانطلاق ما حصل قبل ايّام من رفع الاسعار ، حيث انه بتاريخ الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني حصلت عمليه سطو مسلح على فرع بنك الاتحاد في عبدون وتمكنت اجهزه الامن من اعتقال الفاعل خلال ساعه واحده من وقوع الحادث وقد سببت هذه العمليه وغرابه توقيتها وأسلوبها ردود فعل واسعه على مواقع التواصل الاجتماعي ما بين مستنكر للجريمه وادانه لفاعلها ، وما بين مستنكر لها ولكنه متعاطف مع فاعلها وتبرير ذلك بالظروف المعيشيه الصعبه في الأردن وربطها بأرتفاع الأسعار الذي لم يكن قد بدا أصلا . أي انها ليست لها علاقه برفع الأسعار الاخيره . لكن ماحدث بعدها امر يثير الكثير من الاستغراب والريبه وعلامات الاستفهام . فقد توالت حوادث السطو المسلح في عده اماكن واهداف وبطرق مختلفه وفترات متقاربه وبشكل غير معهود في الاْردن ، وكان دائما يتم تبرير هذا الفعل بالغلاء وارتفاع الأسعار مع ان العديد من هذه العمليات نفذت من أشخاص مقتدرين ويملكون سياراتهم الخاصه التي استخدموها بتنفيذ جرائمهم او من بعض اصحاب الأسبقيات الجرميه . وكما ان من يسرق من الجوع يسرق على قدر حاجته من الطعام ولا يقوم بسرقه عشرات الآلاف من الدنانير من البنوك . وقد بدا واضحاً انه اما ان يكون وراء هذه العمليات تخطيط معين او انه تم استغلال الظروف من قبل بعض الخارجين على القانون للقيام بهذه الجرائم ، ثم تم توظيف هذه العمليات من أطراف أخرى للمبالغه في توصيف الحاله الاقتصاديه في البلاد وان الناس أصبحوا لا يجدون وسيله للعيش الا بالسطو المسلح ، وانها فقدت حاله الامن والأمان الذي كانت تتصف به . مع ان جميع عمليات السطو المسلح قد تم الامساك بمرتكبيها خلال لحظات او ساعات بأستثناء عمليه واحده . كما حصلت في نفس الفتره عده محاولات للتهديد بالانتحار بقتل النفس وقتل الأبناء بحجة ارتفاع الأسعار والفقر وكانت جميعها تنتهي بالعدول عن الانتحار ولكن يتم استثمارها لزياده الإحساس بعمق الازمه الاقتصاديه في البلاد .
ومع مطلع شهر شباط الحالي موعد تطبيق الزيادات على الأسعار فقد تنادى عدد من النشطاء السياسيين والاجتماعيين للتظاهر والاعتصام للأعتراض على هذه الزيادات التي أصبحت فوق قدره المواطن العادي وذلك في أنحاء متفرقه من البلاد وبطريقه سلميه ومستخدمين حقهم الدستوري والقانوني لكن طفا على سطح هذه الأحداث عده ظواهر تشير الى انه مخطط لها ومن قبل جهات وأطراف تريد توسيع الاحتجاجات وتحويلها الى صدامات مع الأجهزه الامنيه وإيقاع البلاد في الفخ الذي وقعت به دول الربيع العربي الآخرى .
فقد شهدت بعض هذه الاعتصامات اعمال شغب وحرق لممتلكات عامه ومهاجمه اخرى بالحجاره . كما شهد بعضها إلقاء كلمات خرجت عن إطارها وتضمنت تهديدات بالحرق والتدمير والتخريب والقتل وسط تهليل المتواجدين . كما تخلل الاعتصامات إلقاء كلمات من أشخاص رفعوا درجه النقد والاحتجاج الى ألهجوم والتجريح على سيد البلاد والقول ان اطفالهم يموتون من الجوع بسبب ارتفاع الاسعار ألذي لم يكن قد مضي عليه غير ايّام قليله ، وهم في حقيقتهم يسعون الى استغلال حاله المحتجين من الطبقات المسحوقه والمتضرره وشحنها ودفعها الى ارتكاب اعمال الشغب . كما انه وبصوره مفاجئه ولكن توحي انها معد لها مسبقاً فقد انتشرت في وسائط التواصل الاجتماعي كميه كبيره من الفيديوهات التي كان قد تم تصويرها بفترات زمنيه سابقه وخاصه خلال عامي ٢٠١٢ و ٢٠١٣ على انها أحداث حاليه وبما تتضمنه من شعارات وهتافات وأعمال عنف . كما تم نشر مقاطع فيديو سابقه قد تكون اثناء مباريات الفيصلي والوحدات من هتافات وشتائم متبادله على انها تحصل بالشارع الآن ما بين أبناء الوطن الواحد بهدف إيقاع الفتنه بينهما . بالاضافه الى العديد من الفيديوهات المفبركه والمقالات التحريضية والتي ورد في احداها ان الاْردن يعاني من مجاعه وان الكثيرين يموتون جوعاً يومياً ولا يعلن عن ذلك وأن الصومال أصبحت تتفوق علينا بالتقدم العلمي والتكنلوجي والطبي .
كل ذلك يوحي بل يؤكد ان هنالك من يحرك الخيوط من الخلف ويسعى لأشعال النيران مستغلاً معاناه المواطنين ونزولهم للشارع للأعتراض على سياسات الحكومه لتحويلها الى صدامات مع الأجهزه الامنيه والى الخروج على النظام لتغرق البلاد في الفوضى وتنهي حاله التفافهم مع النظام مما يسهل عليها تنفيذ أجنداتها في الاْردن ، تمهيدا لتطبيق مشاريع السلام في المنطقه التي سوف يجري تقاسمها بين الدول الكبرى واقامه الوطن البديل للفلسطينيين في الاْردن . وهذا مصدر قلقي وخوفي
لكن هذا القلق والخوف سوف يتبدد اذا لم يسمح المحتجون على قرارات الحكومه للعناصر التي تسعى لأيقاد نيران الفتنه ان تجرفهم اليها وان يحافظوا على سلميه احتجاجاتهم وتحركاتهم حتى تلبي مطالبهم وبطريقة سلميه وان يكونوا حراساً على الأردن وحريصين عليه مثلما هم حريصون على تحقيق مطالبهم . فهل يفعلون ذلك ؟
وحمى الله الاْردن من شر الفتنه وحماه من الفساد والفاسدين ومؤامرات الأعداء الطامعين// .