الأنباط -
د. حازم قشوع
مؤتمر الحوار العربي الإسلامي الإفريقي
مراكش – المغرب
اذا كانت معادلة الاستقرار المجتمعي تقوم على الديمقراطية والسلم والأمن، فإن ناتج هذه المركبات الثلاث يمكنها صناعة الفارق لسمة المجتمعات كونها تحتضن روافع التنمية والاستدامة كما النماء، حيث تتداخل هذه المركبات فيما بينها لربط النسيج الاجتماعي الذي يقوم على "تعددية معنى وسلمية مضمون وامان مجتمعي" عبر نسيج موحد عنوانه الوطن، الذى بدوره يؤطر الكل الوطني بداخله على "تنوع مشاربهم وتعدد أفكاره وتباين اهتماماته"، مشكلا بذلك حالة المواطنة بقيمها القائمة على الولاء والانتماء والتي تأتي عبر تشاركية نهج تصون جماعية الأداء ومنهجية عمل تحفظ تعددية الآراء، لتعيش هذه المعادلة وسط مناخات من الحرية تحفز حالات الابتكار وتنمي مقومات الإبداع ليشارك الجميع عبرها فى بيان محتوى رساله البناء الوطني، التي تستهدف الرفعه والنهضة للأطر المؤسسية فى ظل سيادة القانون ومرجعيات ضوابط الحرية التي تحفظها من الانفلات وتصونها من الاختزال تحقيقا للمنهجية البنائية التى تقوم على الأمن والحرية والتي تعنونها حالة الوئام و الامان.
إن المجتمعات النامية هي أحوج ما تكون لترسيخ هذه المناهج في مجتمعاتها لتحقيق السمة الفارقة لثقافة الاقتصاد الإنتاجي، التى تنتقل فيها هذه المجتمعات من طور المجتمعات الريعية الى منازل المجتمعات الإنتاجية، وهي الثقافة التي تسبق فيها ثقافه العمل على ثقافة السكن وثقافة العمل الجماعي على ثقافة العمل الفردي وثقافة الاكتساب المعرفي ،(مهني كان أو الحرفي) على ثقافة التعلم لغايات التعليم، وهي الثقافة التي لابد أن تكون حاضرة عند بناء محتوى قويم في المجتمعات النامية اضافة لنصر آخر متمم يقوم على مرجعية الخدمة العامة لتنتقل من عقلية السلطة بمعنى التحكم والتسلط الى ثقافة الخدمة العامة التي تهتم بالمواطن واحتياجاته وتقوم على تنمية مهاراته واشغاله والمحافظة على سيرورة أعماله، عبر توفير مظلة الحماية الاجتماعية لمعيشته والاهتمام بتذليل الصعوبات أمام تحقيقه لأهدافه عبر سياسات تقوم على "الحماية والرعاية والعناية"، وهى الأركان الثلاث التى تعتبر الروافع الرئيسية لبناء الثقافة الإنتاجية عند المجتمعات لتنقلها من المكانة النامية الى المنزلة المتقدمة، مستندة بذلك للديمقراطية التعددية بحلة مدنية للسلم الأهلي في إطار المواطنة والأمن الذي يحفظ المنجز ويصون المكتسب.
وحتى يتسنى للمجتمعات تحقيق ذلك فإن الأمر يتطلب تحقيق مفهومين، الأول إنساني يقوم على "انسنة المواطنه"، والثاني محلي يقوم على "المواطنة المنتجة" التى تقوم عليها اللبنه الاساسيه في بناء مجتمع المعرفة، حيث تقوم منهجية المواطنة المنتجة على بناء السلم الأهلي المستهدف وإذابة الفوارق الإثنية والمذهبية والدينية في إطار سيادة القانون، وبناء مجتمع مدني قادر للتعامل البناء بمسؤولية وطنية وعامل لتعظيم المكتسبات من الناحية الاقتصادية عبر منهجية المواطنة المنتجة، وهو المصطلح السياسي الجديد في الطرح والمضمون لما يحويه هذا المصطلح من معاني عميقة ترتقي لتكون برنامج عمل لثقافة الاقتصاد الإنتاجي، ومن معاني تقديرية تقوم على حركة الإصلاح الذاتي تسعى لخلق حالة ذاتية تستند إلى فكر معرفى قويم وبرنامج عمل واعد يقوم على المواطنة الفاعلة، لتكون قائمة على حسن العمل ومقدار العطاء دون الوقوف عند الرواسب التاريخية بالتقييم التى كانت تكون على الوطنية من زاويتها الضميه ولا تستند لدرجة المواطنة في مجمل التقييم، لكنها منهجية جديدة تستند لمنظومة عمل تقييمية قائمة على "العطاء والعمل والإنتاج"، وهي المفردات الثلاث التي تقوم عليها فكرة البناء المجتمعي لحواضنه الذاتية عبر استراتيجية عمل للاقتصاد الانتاجي.
فإذا كان نهج المواطنة يسعى لتوسيع حجم التفاعل والمشاركة والمساءلة عند تولي المسؤولية ومنطلقاتها تقوم على ترسيخ حالة المجتمع المدني وسيادة القانون، حيث كانت الوسائل المعرفية تسعى لتبديل روافع المجتمع السياسية من روافع تقليدية تحمل هويات فرعية ومناطقية إلى روافع مدنية وحزبية ذات نماذج تعددية ديموقراطية تستهدف إعلاء منزلة الهويه الجامعه وتؤدي إلى تحقيق دوائر أوسع فى ميزان الاستجابة، فان روابط العمل تستلزم بناء شبكة للمنعه المجتمعية تقوم على البناء الذاتي الذي قوامه المواطنة المنتجة بقيمها القائمة على الولاء والانتماء.
لاسيما وأن نهج المواطنة المنتجة تقوم عليها منهجية المجتمعات المتقدمة، ذلك لأن نهجها يتأتى وفق نظم تشاركية قائمة على المسؤولية والتفاعلية والإنتاجية والعمل الجماعي، الأمر الذي يجعل من المواطنة المنتجة وحده قادره على إحقاق حالة التغيير ونماذج التغير لتكون دائما حاضرة بميزان التطور والتنمية في إطار مناخات المجتمع وعناوينه، وبما يمكنها من الوصول للدرجة الافضل فى ميزان المعرفة المجتمعية، مشكلة بذلك أيضا وحدة ميزان التقييم التى تستند لوحدة قياس تقوم على الاستجابة التفاعلية القادرة على إحداث الأثر والتأثير ببيان حجم المشاركة الشعبية بالانتخابات النيابية والمحلية والبلدية، كما تظهرها مدى التزام المواطن بدفع المستحقات الوطنية وحجم تشكيل دوائر الاستجابة الوطنية التى ترتقى كلما عظم مستوى تقديم الرعايه الاجتماعيه والصحيه والتعليميه وتزداد تأثيرا كلما تم تطوير نظم العمل ووسائله وموجبات تقديم الخدمات.
إن العمل على إعادة تكوين نماذج العمل التى تدور فى فلك بيت القرار من نماذج ذات طابع محدد في إطار منزلة اصحاب الراى الى مركز اصحاب القرار، قد تكون الوسيلة الأقصر والمباشرة لتحقيق معادلة التغيير كونها ستشكل ذلك الخط المستقيم بين المنطلق والهدف، والذى بدوره سيحقق وثبة نوعية على كافة المستويات فى المجتمع كما فى النهج، باعتبار ذلك يعزز من مناخات الثقة المتبادلة بين المواطن والنظام والمجتمع، وكما يوسع دوائر صناعة الأثر وبناء دوائر التأثير بين بيت القرار والدوائر المستهدفة.
ولان نهج المواطنة المنتجة لا تقف حدوده عند المساواة بالحقوق المدنية والأهلية فحسب، لكون هذه الحقوق تعتبر من حقوق الساكن وليس المواطن، لذا كان العمل على تأصيل منهجية المواطنة يأتي من باب الحقوق السياسية في المشاركة والتمثيل وروافعها تأتى من على أرضية الحياة المدنية والحزبية، وهذا ما يجعل من المواطنة تشكل منهج للحل لكثير من التحديات الذاتية، كما أنها تشكل حجر الزاوية فى مواجهة رواسب التحديات الاجتماعية والتى بدورها تعظم حالة المناعة المجتمعية.
وهذا مرده لقدرة نهج المواطنة في إعلاء الثقافه الوطنيه لما يحمله نهجها من روابط جامعة تجمع بين مفاصل العقدة المجتمعية الأربعة في بيت القرار، والتى تقوم على (المسألة والمسؤول والمساءلة والمسؤولية)، وهو ما تبينه مفردة المواطنة في كتابي "شرعية الإنجاز والحياة السياسية" و تؤكد قدرة المواطنة للانتصار على كل التحديات عبر عمق تمثيل وواسع مشاركة لاحتوائها على قوة نابعة من إرادة الروابط الردعية والمنعة المجتمعية لرابط العلاقة بين المواطن والمجتمع والدولة، وهي الثلاث محددات الضامنة لفحوى الأمن ومفهوم الأمان الوطني.
لاسيما وان النتائج المرجوة او تلك المرتبطة بتطبيق نهج المواطنة قد لا تحقق العوائد المأمولة منها إذا ما تمت تجزئة نهج المواطنة ولم يتخذ بشموليه طابع ونهج، فإن العمل على تنفيذ مشروع المواطنة المنتجة يجب ان يكون فى إطار شامل وليس مجزوء يستهدف خدمة أغراض أنية أو يعالج مراحل موضوعية، ذلك لأن الاجتزاء لأغراض تمثيلية دون أن يكون مرتبط بشكل عضوي بالديمقراطية ونهجها سيعمل على إدارة الأزمة وليس حلها، وهذا ما يتطلب اتباع منهجية شمولية في بناء الأسس القويمة التي قاعدتها المواطنة المنتجة كونها تعتبر أحد اشتراطات النجاح سيما وان نهج المواطنة يستند لاستراتيجية تحتوي على ضوابط وتقوم على محددات ينبثق عنها خطة عمل تفضي لنتائج فضلى ومتوخاه، وهذا ما يأتي وفق مناخات مدنية ترفع من مستويات المنافع المرجوة بإطر شمولية نهج لأن منهجية المواطنة المنتجة لا بد أن تقوم على استراتيجية عمل وليس على خطة تنفيذية يمكن تبديل مراكزها التنموية او المدنية او حتى الحقوقية.
ولكون نهج المواطنة المنتجة وحده قادر للارتقاء بمستويات العامل الذاتي الأهلي والمجتمعي والوطني في مجابهة عاتيات الظروف الموضوعية المحيطة، فإن العمل على تنفيذ مشروعها بشموليه سيحد من الإرهاصات السياسية منها والبيئية، كما سيشكل الدرع الواقي لمواجهة الظروف الطبيعية والمصطنعة والتى غالبا ما تجلبها العواصف المتحولة أو النماذج المعرقلة للبناء الذاتي للمجتمعات، لذا اعتبر ميزان العامل الذاتي مكمن الحل وعنوان الانتصار على الظروف الموضوعية مهما بلغت شدتها أو حملت من عاتيات أوزار ذلك، لان نهج المواطنة قادر بما يمتلك من أدوات فى مجال التعاضد الاجتماعي ومقومات فى مناحي المسؤولية الاجتماعية أن يواجه التحديات الداخلية التي تشكلها قضايا التشغيل او رواسب الفقر وحتى جيوب البطالة بالتضامن والتكامل، وهذا ما يجعل من نهج المواطنة المنتجة منهجية شاملة للتعامل النمائي والتعاطي المعرفي.
إن المجتمعات التي حققت السمة الفارقة فى التاريخ الإنسانى، هى تلك المجتمعات التى نجحت فى تشكيل الإطار الناظم للحياة العامة القادرة على حفظ كامل الحقوق بالمساواة وتحقق عدالة التمثيل بالقبول وتوزيع المكتسبات بإنصاف، والتى كانت دائما تكفلها القوانين الناظمة للحياة العامة المنبثقة عن مضامين العقد المجتمعي الذي كفله الدستور، فإن العلاقة بين الفرد والمجتمع والنظام هي علاقة الوطن بمكوناته والتى منها تنطلق المواطنة لتحقيق السمة الوطنية عبرها التى تعلى من شأن الدائرة الوطنية على أية دوائر فرعية مناطقية او اثنية او مهنية او مذهبية، فإن الدائرة الوطنية تصبح جامعه عندما يكون صوت الوطن لا يعلوه صوت وحماية الوطن لا تفوقها حمايه وعنايه الوطن لا تمتاز عليها عنايه، والتى لابد أن تقوم على نظم تبادلية فاعله يشترط فيها المشاركة المسؤولة وحسن الاستجابة بحيث ترتبط أركان هذا المثلث بالعقد المجتمعي الناظم للحياة العامة ضمن زوايا ثلاثة تطبق فيها الأحكام من روح القانون ومن تلك الزاوية الحقوقية التي تأتي من نصوصه، أما الزاوية الثالثة فإنها ترتبط فى العقدة الفكرية والسمه الثقافية للمجتمع والتي تقوم عليها أخلاقيات التعامل والاحترام المتبادل والأعراف القبول.
ولان المواطنة المنتجة لا تنمو إلا في بيئة مدنية في الطابع والمضمون وروافعها لا تزدهر إلا في أجواء من السلم المجتمعي ومناخات الاستقرار، لذا كان نهجها حريص على مناخات الأمان من واسع الحرص على نمو الروافع المدنية التي بدورها تعظم ميادين التنمية والإنتاج كما تقوم على دعم الروافع السياسية الحزبية التي تصون مناخات الأمان وحفظ السلم الأهلي وتصون البيئة الآمنة للاستقرار بإطار الديموقراطية ومجالسها النيابية والمحلية والبلدية، وكذلك في القطاعات المتممة المهنية والاجتماعية وغيرها من أطر أخرى لكون نهج المواطنة قادر على تشكيل روافد التحصين للعامل الذاتي كما هو قادر على مقاومة الظروف الموضوعية من خلال الارتقاء بالحماية الاجتماعية وروافد البناء والمشاركة الواسعة في الرأي والعمل، لذا يعتبر نهج المواطنة أحد أهم الوسائل القادرة على تحقيق انتصار على الظروف الموضوعية مهما كبرت او عظمت وذلك لقدرة نهج المواطنة على تحقيق الوطنية وتجسيد قيمها، فإن إرادة المجتمعات دائما قادرة على تحقيق إنجازات تحويل المنعطفات إلى منطلقات اذا ما احسن استثمار المواطنة المنتجة.
هذا لأن واقع الملمات تصهر النسيج الوطنى وتظهر قيم التعاضد الاجتماعي التي بدورها تنصهر جميع المكونات الاجتماعية ضمن المكون الوطني والإطار الوطني، فكلما كان المنعطف عميق ازداد معه حجم التماسك والتعاضد الشعبي والالتفاف حول القيادة، وهو العامل الذي بدوره يرسم صورة المشهد العام ويضع الحلول القادرة على تطبيقه ضمن خطة عمل علمية عملية يشارك الجميع في صياغتها ويساهم الكل الوطنى بتنفيذ مشتملاتها، فإن مجابهة التحديات الموضوعية تكون دائما بتوسيع مساحة المشاركة لتحقيق عناوين الانتصار الذي لن يتحقق إلا بعزيمة وإرادة ذاتية.
وحتى يتم وضع استراتيجية عمل لنهج المواطنة المنتجة فيجب تحديد حقائق التحديات ووضع أولوياتها بموضوعية مهنية والوقوف عند الايجابيات القيمية للمجتمع، وتحديد الموارد البشرية والطبيعية التي يمكن البناء عليها وتحديد التحديات الذاتية المعيقة والأهداف المرحلية المتخذة من بيت القرار، والغايات الاستراتيجية التي كان تم التوافق عليها بين المجتمعات باعتبارها سمة التميز المجتمعية وبيئة الرفاهية الاجتماعية، وهذا ما يجعل من خطة العمل تقوم على عناوين ذاتية يمكن البناء عليها وفق سياسة تراكم الانجاز بتوظيف الاراده السياسيه بما يخدم الأغراض الاستراتيجية للعمل وليس الظرف المعاش نتيجة المقتضيات المحيطة، فإن الظروف تتبدل وتتغير بتغير المناخات و الوقائع المحيطة لذا كانت عملية تدوير المراكز مسألة عارضة لا تخدم الأغراض الاستراتيجية لتحقيق العوائد التى يرجوها المجتمع من تنفيذ استراتيجية المواطنة المنتجة، وهذا ما بينه كتابى بين السياسة والسياسات.
ولان نهج المواطنة يستوجب المصالحة بين مكونات الوطن الثلاث المواطن والمجتمع والنظام لتحقيق الحالة المرجوة، فإن الأمر يتطلب تجذير الشراكه المسؤولة بين هذه الروابط الجامعة على قواعد تعزز من مناخات الثقة المتبادلة وتستثمر عبرها جسور المصداقية، وهي الأجواء والجسور التي يستهدفها نهج المواطنة في تحقيق المنفعة المجتمعية والارتقاء بمسارات التنمية، وهو ما بينه النموذج الاردني عندما قام بتنفيذ نموذج المواطنة المنتجة في التعاطي مع رياح التغيير التي ألمت بالمنطقة عندما قام باحتواء جميع الأصوات الشبابية والسياسية عبر إصلاحات دستورية وأخرى سياسية جعلت من البرلمان الأردني كما من عناوين الحكم المحلي ترسم إطار تشاركي يشارك الجميع عبرة فى حماية الوطن ومنجزاته عبر نموذج استدراكي راح يوسع من المشاركة الشعبية في صناعة القرار التنموي والنمائي فى الحياه العامه، ليقوم بيت القرار باقتدار بأسلوب منهجي لاحتواء الظروف الموضوعية بتمتين الحالة الذاتية وتغليب إرادة الدولة على التحديات الموضوعية التي فرضتها مناخات الربيع العربي، وهو ذات البيان الذي حققه المغرب وقيادته الحكيمة في تعاطيها مع حركة شباب زد فى بيان الامر مؤكده بذلك على قدرة دولة المواطنة من التعاطي مع كل التحديات مهما علت فى متنها الصعاب فان النظام قادر على احتواء كل الاراء بداخله كما منظومه الحكم المحلي قادره على توحيد التراب الوطني المغربي من الصحراء للحضر ومن الباديه للجبل كما هو موحد بين عربي وامازيقي ويهودى ومسلم ومسيحي وهذا ما جعل من المغرب يرسم صوره مجتمع المواطنه محققا يذلك انجازا تاريخيا غير مسبوق عنوانه وحدة التراب المغربي ومرجعبه نظامه السياسي ضمن العقده الدستوريه التى حافظ على الامن والسلم والديموقراطيه.
فان دولة المواطنة وحدها قادرة على تخطي الظروف الموضوعية مهما حملته رواسيها من احمال وذلك لأن دولة المواطنة من النماذج التى يمكن ان يعول عليها في إحداث علامة فارقة بين المجتمعات لما يمتاز به المجتمع الأردني من عوامل إيجابية يمكن البناء عليها للوصول بنهج المواطنة إلى سمة المجتمعات المعرفة لامتلاكه رؤيا جاءت من من فحوى الاوراق الملكية، وامتلاكه رسالة تقوم على الأمن والحرية والاستقرار والديمقراطية النيابية وامتلاكه ايضا الى وسائل تقوم على التجانس المجتمعي والتماسك بالعقائد الوطنية التى يقوم عليها العقد الاجتماعي، إضافة لتلك القيم المشتركة للنسيج الوطني والمرجعية الموحدة لحركة المجتمع التي تقوم على القانون وسيادته ولتوازن الحركة الاجتماعية واتزانها مع أنظمة التصحيح والإصلاح السلمي النابعة من أرضية واحدة وإن كانت قد تتباين بالأولويات نتيجة تعدد الهويات الفرعية، لكنها متوافقة على النظام الهاشمي والوطن ووحدة المجتمع والمؤسسات الدستورية.
أما عن الأمن ورسالته التي شكلت العلامة الفارقة بتميز المجتمع الأردني عن غيره من المجتمعات في كل محطة وعنوان تحدى وجعلته يصبح دولة الامان كونه يعتبر من نماذج الأمن الفريدة التي باتت محط تقدير واهتمام عالمي في مجالات الدفاع والوقاية والاستدراك والاحتراز، حتى غدا الأردن يشكل علامة فارقة لدول المنطقة لما تقوم عليه من منجزاتها نتيجة اتباع الامن الاردني لاستراتيجية ضوابط لا تقوم على الردع بل أيضا تعمل ضمن مسارات احترازية وسياسات عمل تقوم على "الحافز والوازع" ساهمت في جعل الأردن محط وريادة وبيئة سكن وأعمال، وهذا ما جعل من استراتيجيات العمل الاردنيه تشكل نموذجا في بناء قدرة ذاتية تقويمه قادرة على التفوق وبيان الإرادة في تعاطيها مع حروب المنطقة ضد الإرهاب وضد الوباء وفي تعاملها مع حرب غزة لما قدمه الأردن من منهجية حرفية جعلت من رسالة الأمن الأردنية تكون أمثولة نموذج في خدمة منهجية المواطنة المنتجة ورسالة الدولة في السلم والامان.
وأما المفهوم الموضوعي فانه يقوم على أنسنة المواطنة في ظل وجود شبكات التواصل الاجتماعية التي بات فيها العالم يشكل عنوان قرية، وهو المفهوم الذي يقوم على منهجية تفاعلية تصبح الإنسانية فيها تشكل مشروعية قبول لأية سياسة يراد إسقاطها او اية توجهات يراد بيانها أو قضية يسار لاجحافها، وهذا ما يمكن قراءته من مسألة حرب غزة عندما هبت كل العواصم الاوروبيه والعالميه لنصرة صوت العدالة التي تشكل القضية الفلسطينية مؤكدة وقوفها مع القيم الإنسانية مهما غلا جبروت القوة واستفحلت سلطته، وهو أيضا ما تؤكده مسألة انتخاب ممداني عمدة نيويورك من تفاعلات تؤكد فى مضمونها على مسألة انسنة المواطنه التى بات نهجها ماثل للعيان كما بات تأثيرها الشبابي والسياسي له أثر مباشر على صيانة وصياغة القرار، وهو المفهوم ذو التأثير الموضوعي الذي يجب أن يأخذ بالحسبان عن عن بيان مسائله والشروع بتنفيذ سياسة.
فبعد انتهاء الحرب العالمية الكبرى وبيان المنظومة الأممية في قيادة العالم عبر الجمعية العمومية ومجلس الأمن الدولي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وبيان التقسيمات فى حينها فى إطار الجغرافيا السياسية للبلدان والتى عرفت باسم الأوطان لبيان حكمها على المجتمعات المنضوية تحت سلطتها، اعتبرت شرعية بيت الحكم للحالة الوطنية صادرة لشرعيتها بمقتضى الشرعية الدولية والدور الوظيفي لها، وهذا ما جعل من هذه المجتمعات تعيش حالة متناقضة بين اهليه الدور السياسي والمدني والتنموي وإمكانية المشاركة في الحكم والكيفية التي يراد ترجمتها من أجل استتباب الاستقرار، وهذا ما جعل من التطلعات الشعبية غير مترجمه بكل ما تحويه آمالها في الإيقاع السياسي للحكم وذلك لاختلاف زوايا الاتجاهات بين ما تريده التطلعات الشعبية وما تستلزمه مقتضيات نظام الحكم وطبيعته تثبيت شرعيته من جهة أخرى، الأمر الذي جعل من قوام المجتمعات فى مجملها تعيش ضمن نطاق (حامل لعضوية دولة) بينما غابت المواطنة بشكل متعمد ومقصود كما يصف ذلك بعض السياسيين من اجل ان تبقى هذه الانظمة ضعيفه نتيجه انفصالها عن محتواها الشعبي، وهو ما جعل من الفرد في المجتمع يحمل صفة حامل عضوية دولة وليس مواطن بالدولة.
حتى اخذت التباينات تشكل الهوة بين بيت القرار وحاضنته وتتعاظم المسافة بين مقتضيات الحكم وتطلعات المحكوم، وأخذ الجميع يسعى الى تطوير آلية الاحتكام ضمن مرجعية القوانين لتنشئ عبر هذه التباينات تجاذبات بين حاضنة الأنظمة وحاضرة النظام حتى أخذ الجميع يسعى من اجل الوصول الى نقطة واصلة بين بيت القرار ومحتوياته، وهى المحتويات التى من المفترض أن تكون واصله بين الدور الوظيفي وترسيماته وطبيعة الحكم ومحتوياته، وهذا ما جعل من الحالة العامة تحتاج للديمقراطية وهو المنهج الذى يحتوى على منازل أربعة (منزلة تمثيلية) يشكل صورتها البرلمان، و(منزلة تأصيلية) تشكلها الأحزاب، و (منزلة تقريرية) تشكلها الانتخابات، و (منزلة إقرارية) تشكلها المشاركة فى السلطة، وهو المستوى الذى لم تصل اليه الا قله قليله من المجتمعات والتى تعرف مجتمعات المواطنه.
وهي المجتمعات التي تمتلك العضوية الفردية فيها على عناصر تدمج ما بين الاهلية المدنية والسياسية من دون تمييز اثني او عرقي او جندري، هذا اضافة لما تحوية هذه المجتمعات من مساحات واسعة من الحرية والتعددية ومنهجية عمل تقوم على الليبرالية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يشكل المواطن فيها ويحظى بالأصول المرجعية الثلاثة القادمة من بيت الحكم التي تقوم عليها مفردات الحماية والعناية والرعاية، وهي العناصر الثلاث التي تضع أرضية عمل لمجتمع المواطنة الذي يقدم صورة الأمان بأبهى صورها.
ومع دخول البشريه الى طور اخر من المفترض ان يتم عبره إزالة الحدود، فان طبيعة الحكم واليات الاحتكام سيقام على تغييرها، وهو ما سيستدعي من منظومه الحكم القادمه من تنفيذ برنامج "آنسنة المواطنه"، وهو البرنامج الذى سيحوى على محتوى ثقافى مرجعيته تقوم على تعزيز المحتوى الثقافه للبشريه لتكون موحده عبر قيم جديده كما يحوى برنامج آنسنة المواطنه على التوافق حول لغه تحوى على مكانه جامعه فوق اللغات، وهذا من المفترض ما تقوم عليه الانجليزيه او الامريكيه الجديده، واما المحتوى الاخر وهو يقوم على منظومه الاحتكام الجديده وكيفيه استخدام علوم الصناعه المعرفية وعلوم الذكاء الاصطناعي فى بيان حالها، وهذا ما يعنى تشكيل منظومه حكم من دون ضوابط تحوى على مفردة السلطه حيث المرجعيه القانونيه واخرى تحوى على مفردة توحيد المرجعيات النقديه وإلغاء البنوك المركزيه ضمن عناوين نقديه واحده قد تكون افتراضية، واما المحتوى الاخر فانه يقوم على فصل السياسه عن السياسات لتكون السياسات واحده بينما تكون السياسات التى تقوم عليها اليات العمل ووسائلها واحده، وهذا ما يعنى ان العالم يتجهه الى مرجعيه قرار واحده لا وساطه فيها للمجتمعات الفرعيه، وهذا ما يعنى دخول العالم الى بيان ( آنسنة المواطنه ) الذى تم وضع خططه التنفيذيه فى مؤتمر جنيف من اجل آنسنة المواطنة لاطار من العولمه ومناخات من العالميه التى لن يكون بمقودرها أن تعمل من دون آنسنة المواطنة.
وفي حال تم تنفيذ هذا المشروع فإن العالم سيكون بين ما يتم طرحه وما تقف عليه المجتمعات المحلية من أطر، وهذا ما سيعرف لاحقا بمنهجية " أنسنة المواطنة "، وهى الجملة التى يمكن استنباطها مما سيؤول إليه الحال عند البدء بترسم محدداته وبيان برنامجه العام والشروع بتنفيذ خططه التي تسقط الحدود الوطنية وتتجاوز على المحددات الاقليمية الى حيث المرجعية القادمة التي تشكلها أنسنة المواطنة.
وحتى يتم المشاركة في صياغة اسقاطات هذه الاستراتيجيات فإن العمل على إطلاق مفهوم التعددية يجب أن يكون حاضر فى تقليل الهوة بين المجتمعات المعرفية التي تمتلك الصناعة المعرفية بكل ما تحويه من نماذج عمل وصياغات وبين المجتمعات النامية ذات المحددات المحدودة التي تنقصها الموارد والإمكانات حتى لا تذوب القيم فى محتوى المصالح لسلطة الحكم الجديدة، ولا تؤول الاستثمارات عند الدول المعرفية التي تمتلك القدرة والإمكانات، وهذا ما يرتب على الشباب العربي ودول جنوب العالم ضرورة اتباع منهجية المواطنة المنتجة التي بينتها نماذج العمل الديمقراطي والحكم المحلي القائمة على اللامركزية في المغرب والأردن، كما نماذج العمل الاقتصادية في السعودية والإمارات ومصر، كما فى جنوب أفريقيا وسنغافورة وماليزيا، كونها جميعها تعتبر من نماذج العمل التي يمكن استثمار منهجيتها المحلية في بناء المواطنة المنتجة لتحقيق روابط فاعله تترجم مشاريع أنسنة المواطنة.