الأنباط -
" فوارق جوهرية "
مهند أبو فلاح
أعادت نتائج الانتخابات النيابية الأردنية التي جرت مؤخرا إلى أذهان كثير من المحللين و المراقبين للمشهد السياسى الأردني ما جرى قبل خمسة و ثلاثين عاما و تحديدا في العام 1989 حينما اجريت انتخابات مجلس النواب في البلاد و حصدت فيها جماعة الإخوان المسلمين أكثر من ربع مقاعد المجلس في حينها و البالغ عددها ثمانين مقعدا .
رغم الاغراء الذي تشكله هذه المقارنة في أذهان اولئك اللذين عاصروا كلا الحدثين إلا أن هنالك فوارق جوهرية لا تعد و لا تحصى لا يمكن غض الطرف عنها يجب ذكر اثنين منها في هذا السياق بين المشهد القائم الان و ذلك الذي صاحب انتخابات العام 1989 .
اول هذه الفوارق تكمن في نسبة المشاركة الشعبية في هذه الانتخابات النيابية الحالية و التي لم تتجاوز ثلث من يحق لهم الانتخاب حيث بلغت نسبة المقترعين الفعليين 32,25 % و هي نسبة قد تبدو اعلى قليلا مما كان عليه الحال في انتخابات مجلس النواب في دورته السابقة رقم 19 و التي لم تتخطى عتبة الثلاثين بالمئة رغم كل المناشدات و النداءات التي وجهها قادة الأحزاب السياسية و مرشحوهم للمشاركة الجماهيرية الكثيفة و الإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات التي وصفت بالمفصلية الحاسمة على لسان أكثر من قيادي حزبي و على رأسهم المهندس مراد العضايلة امين عام حزب جبهة العمل الإسلامي التي حازت على اكبر عدد من المقاعد في هذه الانتخابات ، بينما بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية عام 1989 ما يزيد 53% اي أعلى من النصف بقليل .
مما لا شك فيه أن التشوهات التي احدثها نظام الصوت الواحد في العملية الانتخابية الديمقراطية على مدار عقود من الزمن منذ أن تم إقراره في العام 1993 كان له دور فعال في عزوف كثير من الناخبين المسجلين في قوائم الهيئة المستقلة للانتخابات عن المشاركة في انتخابات مجلس النواب في دورته العشرين الحالية غير أن هنالك عوامل أخرى لعبت دورها في تنامي مشاعر الإحباط لدى القواعد الشعبية في عموم أنحاء المملكة الأردنية الهاشمية و في مقدمتها الظروف الاقتصادية و المعيشية الصعبة التي يعاني منها المواطن الأردني منذ سنين خلت .
اما الفارق الثاني و الاكثر اهمية بين انتخابات العامين 1989 و 2024 فيتمثل في اختلاف الظروف الموضوعية فقد جاءت انتخابات 1989 بعد سنين طويلة من غياب الديمقراطية في أعقاب ما عرفت بهبة نيسان من ذلك العام التي عصفت بالعديد من مناطق المملكة كان الاردن في ذلك الوقت عضوا مؤسسا في تحالف إقليمي عربي أطلقت عليه تسمية مجلس التعاون العربي إلى جانب كل من عراق البعث و مصر و الجمهورية اليمنية و في أعقاب قرار فك الارتباط القانوني و الإداري بين الضفتين في أواخر شهر تموز / يوليو من العام 1988 للميلاد .
لقد كانت القيادة الأردنية تملك في حينها كثيرا من أوراق المناورة الرابحة و في مقدمتها علاقة التعاون. الاستراتيجي على كافة الأصعدة مع نظيرتها العراقية التي شكلت عمقا استراتيجيا للأردن بكل ما تحويه الكلمة من معنى قبل أزمة الخليج في الثاني من شهر آب / اغسطس من العام 1990 اما اليوم و بعد غزو و احتلال العراق في العام 2003 للميلاد فقد افتقد الاردن الى السند و الظهير الصادق المخلص القادر على لجم مطامع الكيان الصهيوني و اطماعه العدوانية