الأنباط - حرب غزة تستنزف اقتصاد اسرائيل
الدكتور حيدر المجالي خبير اقتصاد واستثمار
أدت الحرب في قطاع غزة الى تأثيرات متعددة على طرفي النزاع وتركت اثارا كارثية على الفلسطينيين فاق اعلى التقديرات واثرت سلبا على إسرائيل بكافة المجالات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
وعلى المستوي السياسي والأمني ، أدت الحرب الى تدهور علاقات اسرائيل مع اغلب الجهات الدولية، وتسببت في تأثيرات سلبية على صورتها في المجتمع الدولي كقوة بطش لا تراعي القانون الانساني وتمارس ابادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني وقد تم توجيه انتقادات واسعة النطاق لها لتدميرها المرافق الحيوية من مستشفيات ومدارس ومساكن ودور عباده وقد ادت هذه الانتقادات إلى عزلة دولية لإسرائيل وتأثرت علاقاتها التجارية والدبلوماسية مع العالم ونسفت مساعي التطبيع التي كانت تسعى اليها مع دول الجوار وأدت الى تعميق حدة التوترات الداخلية في إسرائيل واثرت على الاستقرار السياسي والأمني فيها واجتماعيا اصبح المجتمع الاسرائيلي مجتمعا طاردا وغير آمن يعاني انقسامات داخلية خطيره اجبرت اكثر من 500 الف مواطن مغادرة اسرائيل منذ بدء الحرب ودفعت اكثر من 400 الف مواطن الى النزوح من اماكن اقامتهم الى مناطق اخرى يعتقدون انها اكثر أمان شكل تحركا ديموغرافيا يدق ناقوس الخطر في مجتمعهم اما بقية الإسرائيليون فيعيشون في كافة مناطقهم تحت التهديد المستمر لهجمات حماس وصواريخها مما ادى إلى زعزعة الأمن النفسي لديهم واثر على حياتهم اليومية ومعيشتهم بشكل عام حيث بات اكثر من 40 الف مواطن يعيشون في الملاجيء وشهد المجتمع الاسرائيلي كذلك حالات من الانهيار بسبب التأثيرات النفسية والصحية ودفعت الظروف العديد منهم للانتحار.
واقتصاديا استنزفت حرب غزة الاقتصاد الإسرائيلي المتدهور اصلا و الذي كان يسير باتجاه نمو هبوطي قبل 7 أكتوبر 2023 وستظهر الحرب في السنوات القادمة على اداء اسرائيل المالي كتأثير ارتفاع التكاليف المالية للعملية العسكرية ونفقات الدفاع وإعادة الإعمار وتعويضات المتضررين وتكبد اقتصادها يوميا خسائر تجاوز في الأسبوع الأول 2 مليار دولار حسب البيانات الاسرائيلية وخسائر شهريه تقارب 3 مليار دولار بالاضافة الى تعطل اكثر من 1.3 مليون شخص عن اعمالهم أدى الى انخفاض وتيرة النشاط الاقتصادي وحدوث تأثيرات سلبية كبيره على القطاعات المختلفة كالسياحة والتجارة والاستثمار والبنوك والبورصة كنتيجة مباشره للعمليات العسكرية وعدم توفر الأمن والأمان اللذان يعدان اكبر من اي رأس المال في منطق الاقتصاد.
وفيما يتعلق بالتكاليف العسكرية للحرب بكافة جوانبها فقد تجاوزت اكثر من 40 مليار دولار كتكلفة مباشره شملت تمويل الجيش و شراء أسلحة والتدريب، والدعم اللوجستي وتسديد تكاليف الالاف من قواتها المرتزقة (اكثر من 28 الف عنصر) الذين يكلفوا الخزينة حوالي 13 الف يورو شهريا للعنصر الواحد مما يشكل ضغطا على الميزانية العامة و سيؤدي الى حدوث عجز مالي كبير في الإنفاق العسكري، وستضطر حكومة إسرائيل إلى تمويل العجز إما بالاقتراض المكلف هذه الايام أو بفرض ضرائب جديدة على المجتمع مما سيؤثر على اداء الاقتصاد و معدلات النمو بشكل عام. كذلك فقد تولد مؤخرا ضغط كبير على العملة المحلية ( الشيكل) والتي خسرت حوالي 6% من قيمتها في أدنى مستوى لها منذ 8 سنوات مما اضطر البنك المركزي إلى التدخل بضخ حوالي 45 مليار دولار من احتياطاته المالية لدعم العملة المحلية ومنع انهيارها حيث بلغ حجم احتياطات العملة الأجنبية في إسرائيل حوالي 198.5 مليار دولار في نهاية شهر سبتمبر 2023 وعلقت وزارة الطاقة الاسرائيلية انتاج الغاز من حقول تمار و ليفياثان في البحر المتوسط منذ بدء الاحداث لفترة طويلة مما شكل عائقا كبيرا على مواردها المالية وارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية لإسرائيل بمخاوف عدم السداد في مؤشر سلبي للتوقعات الاقتصادية المستقبلية.
وتشهد الاسواق الإسرائيلية هذه الايام تراجع كبيرا في أنشطتها ادى الى خلق انماط اقتصادية جديده لديهم وساهم في تدمير بعض القطاعات العاملة واغلاق المنشآت وفقدان الوظائف مما أثر على اداء الشركات والمؤسسات الاقتصادية بشكل كبير، وتعطل سلاسل التوريد والتجارة، وتراجع الاستثمار بنسبة فاقت 63% وتم تأجيل العديد من المشاريع الاقتصادية والاستراتيجية مما سيؤدي في النهاية إلى انخفاض النمو الاقتصادي المتوقع لهذا العام ليصل الى 1.8% بعد ان كان وصل الى 5.6% العام الماضي وفقا لبيانات مكتب الاحصاء الإسرائيلي وقد تأثرت الانماط الاستهلاكية للإسرائيليين نتيجة الحرب التي أدت الى نقص التوريدات والسلع كالخضار والفواكه التي كانت المناطق الزراعية في غلاف غزه توفرها للسوق المحلي بنسبة تتجاوز ال75% والنقص الحاد في توريدات الحليب والاجبان والبيض مما اضطر الحكومة الى استيرادها من مصادر اخرى بكلف عالية لسد العجز الحاصل فيها وقد نتج عن هذا الانخفاض ارتفاع معدلات البطالة حيث تم تسريح اكثر من 46 الف عامل وتدنى مستوى الإنتاجية وتعطلت الاعمال تبعا لذلك حيث اشارت التقارير المالية العالمية الى ان عدد الشركات التي من المتوقع ان تغلق اعمالها في اسرائيل سيصل الى اكثر من 50 الف شركة في بداية العام بسبب مخاوف الامن والسلامة وفقدان نسب كبيره من القوى العاملة نتيجة استدعاء اكثر من 360 الف عنصر عامل للتعبئة العامة كقوات احتياط للجيش.
اما قطاع السياحة الإسرائيلي فقد تراجع بسبب التوترات الأمنية وتحذيرات السفر مما اثر على الإيرادات السياحية المتوقعة من القطاع ومن قطاعات الفنادق والمطاعم والنقل السياحي وتشير ارقام البنك المركزي الاسرائيلي الى انه كان من المتوقع ان تساهم السياحة بحوالي 6.5 مليار دولار في الناتج المحلي في نهاية العام لم يتحقق منها حتى نهاية الربع الثالث الا 3.1 مليار دولار ولقد تراجعت وتأثرت قطاعات النقل والطيران بشدة بسبب تقييدات السفر وانخفاض الطلب على السفر الجوي القادم الى اسرائيل بلغ 330 الف سائح في عام 2023 مقارنة مع اكثر من 2 مليون سائح في عام 2022 مما يشكل خطرا على الواردات المالية للقطاع. وكذلك شهد قطاع الطيران تقلصا والغاء في الرحلات الجوية الدوليه اثر على تشغيل مطار بن غوريون .