الأنباط -
على إيقاع الإنسحاب التدريجي من غزة باستخدام سياسية هدن تفضى الى سلام و بروز الخلاف حول شريط فيلادلفيا الحدودي الذي يريده نتنياهو ان يكون اسرائيليا، بينما تراه القيادة المصرية عربيا وانتقال الملف التفاوضي للدوحة لبحث تفاصيل تحقيق الهدنة تريدها الإدارة الأمريكية لإنهاء ملف الاسرى والحد من توسيع درجة الاشتباك لتعيش المنطقة في دوامة مستعرة مع دخول تركيا بدور الدولة الضامنة للحفاظ على أمن القطاع، وهو ما يشكل أداة ضاغطة جاءت بجملة من التحذيرات التي أرسلها زلنسكي لنتنياهو محذرا من تنامي الدور التركي في المنطقة و بيان خطورة سياسته القائمة على تحويل صورة المضطهد اليهودي المرتبطة بالضحية والمعنونة بمشهد الهولوكوست إلى صورة القاتل المرتكب الإبادة الجماعية فى محرقة غزة، وهو ما قد يغير الصورة للمشهد العام ويجعلها أكثر انحياز للحق الفلسطيني يجبره لتغيير مواقفه الداعمة لإسرائيل ودفعه لإحقاق نصرة وانحياز لعدالة القضية الفلسطينية، وهى الصورة التى قد تسقط برنامج التطبيع بين إسرائيل ودول جوارها فى المنطقة.
وفى وسط هذه الأجواء تعكف قيادة الحرب والجيش بقيادة هاليفى ونتنياهو وغانتس وغالانت بمناقشة خطط الهجوم على لبنان وتحديد الحدود الخططية لمساحة المناورة العسكرية المتوقعة، التي تريدها القيادة الاسرائيلية ان تصل حدودها الى ما بعد نهر الليطاني لتصل للضاحية الجنوبية، وهو ما يعني بالمحصلة توسيع دائرة الاشتباك بالمنطقة وتمدد مسرح العمليات فيها لتشمل الجنوب اللبناني وحتى بيروت، وهو المعطى الذي يؤكد أن مسرح الاستهداف سيبقى مشتعل الى حين انتهاء الكنيست الاسرائيلية دورتها الانتخابية، حتى يتمكن نتنياهو من البقاء على كرسي الرئاسة بدافع تنفيذ مشروعه التوسعي بالكامل بدعوى مواجهة التمدد الإيراني.
فلقد كان يمكن لنتنياهو تغيير منهجية عمله ليستند للسلم الذي يفضي لإدماج حقيقي للمجتمع الاسرائيلي مع مجتمعات المنطقة بوسائل وآليات سلمية تحفظ للمجتمعات مكتسباتها ولا تهدر من مقدراتها، إلا أن نتنياهو اختار الطريق الوعرة التى قد تفرض على الجميع الدخول بمسرح لمواجهة قضايا ردعية نتيجة اتباع لحلول عسكرية واتخاذ سياسات احادية صحيح أنها قد تحقق تفوق في المعارك الميدانية لكنها لن تحقق انتصارا يفضى لتحقيق نتائج الأمن والاستقرار وتخلق حالة من التعايش والعيش المشترك، فإن الحسم العسكري لن يحقق نصر وان حقق انتصارا في بعض جيوب المعارك عن طريق قيامه بفرض إيقاعه السياسي بالقوة الجبرية، وهذا ما يظهره التاريخ الفلسطيني في النضال الذى مازال يقاوم على مدى قرن من الزمان ما بقي الاحتلال جاثم ومازال المحتل غاشم ومازالت القدس تحت الاسر وفلسطين الدولة لم تقام ؟!.
إن جملة التعاطي السياسي المتبعة التى تقوم على إشعال جبهة ميدانيا وبقاءها مشتعلة دون حسم والعمل على الالتفاف لاشعال الاخرى بهدف فرض واقع جديد بالمقياس العام لن تحقق الصورة المرجوة لأسرائيل كما أنها لن تشكل نموذج يمكن اعتماده والبناء عليه بتكوين مسارات تنموية كما يروج لذلك، فإن تغيير أنماط الفوضي الخلاقة لن يحقق نموذج بناء يمكن الوصول به لعناوين الحمايات الأهلية القائمه على الهويات الفرعية ليعاد من بعد ذلك ترسيم الجغرافيا السياسية للمنطقة بما يجعل من مسالة اعادة استعمارها مسألة واجبة نتيجة فشل ادارة الحماية الأمنية فيها كما العنايه الاجتماعية والرعاية المعيشية في ادارة مواردها، وهو ما اتبع فى سوريا ولبنان وليبيا واليمن والعراق والسودان والصومال وجيبوتي، ويتم استهداف عبر الجمله المتبعة مصر والأردن بشكل مباشر والمشرق العربي بصورة عامة.
وهو المعطى الذى كان من المفترض ان يجعل من الرتم العام للمنطقة رتم وحدوى وتكون نتائجه تشكيل جسم عربي رادع، بحيث يكون قادر على مواجهة هذه التحديات التي تستهدف الحاضنة العربية بطريقه صارخه وجليه مع دخول اسقاطات نماذج الفوضى الخلاقة بتكوينات جديدة تستهدف إعادة خلط الاوراق بالمنطقة، وجعل مجتمعاتها دائما تحت تهديد ماثل عبر "فوضى التغيير و فوضى الارهاب وفوضى الوباء وفوضى تأجيج الصراع الديني" من اجل الهدم لاعادة التشكيل، هى مساله واضحه يمكن قراءتها بشكل واضح عند النظر بعمق للمشهد العام المتبع الذي يسعى لتجسيد نظرية الاحتواء الإقليمي المتبعة وإنهاء الدور الوظيفي للأنظمة السائدة.
وهو ما يشكل تهديدا مباشرا على الجميع ولا يستثني احدا بما فى ذلك إسرائيل، التي ستبقى تقوم بدور إشعال المنطقة حتى انتهاء وقودها باخمادها ومن ثم يتم طي صفحتها التى امتدت منذ كتابه سطورها من نهاية الحرب العالمية الكبرى مع دخول المنظومة الدولية في التعددية القطبية، لأن بقاء إسرائيل مرهون ببقاء دورها في أجل "الفك لإعادة التركيب " عبر قيامها بإشعال ازمات امنية تبقى المنطقة تحت التهديد بوسائل الترويع ولا يتم تشكيل عناوين حقيقية للاستقرار والأمان.
وهو ما جعل من اسرائيل الكيان تتنقل بمنازل إشعال المنطقة لتبقى تقوم بدوها ك (محراك شر) واداة تأجيج، وهو ما يجعلها تنتقل من غزة الى لبنان بعد فشل محاولات التهجير التى كانت تعتزم القيام بها من اجل تغيير خرائط المنطقة بأدوات التهجير وليس من أجل السيطرة على غزة والضفة فحسب، لانها اصلا مناطق محتلة وهى الصورة التى تجعل من اسرائيل تشكل محرك للفوضى الخلاقة.
د.حازم قشوع