الأنباط -
الدكتور اسعد عبد الرحمن :
شهدت «الضفة الغربیة» الفلسطینیة، على مدى سنوات الاحتلال الطویلة، انتفاضات وهبات شعبیة طالما حذرت منها أجهزة الأمن الإسرائیلیة، تخللها سقوط آلاف الشهداء والجرحى. وفي العامين الماضيين، اوضحنا في سلسلة مقالات سابقة ما أسمیناه قيام «جبهة الضفة الفلسطینیة» حيث سقط، في مرحلة ماقبل معركة طوفان الاقصى في (7) اكتوبر، مايزيد عن (300) شهيد، ناهيك عن الجرحى والمعتقلين من الشباب المستقل وايضاً من عناصر وكوادر فصائل فلسطينية (من حماس وفتح والجهاد الاسلامي اساساً). الیوم، وفي ظل انشداد أنظار العالم إلى الإبادة الجماعیة و?لكارثة الإنسانیة الكبرى التي یتعرض لها أكثر من ملیوني فلسطیني في «قطاع غزة»، تتحرك «الضفة»، استمراراً منها في المقاومة ودعماً للجناح المقاوم الاخر في «القطاع». وقد استثارت هذه الجهود المخططات الصهيونية للتطهیر العرقي في «الضفة»، وعلى رأسها رسالة وزیر المالیة والوزیر في وزارة الأمن (بتسلئیل سموتریتش) قبل أیام إلى كل من رئیس الوزراء (بنیامین نتنیاهو) ووزیر الأمن (یوآف غالنت): «بإجراء تغییر جوهري وفوري في السیاسة تجاه الضفة الغربیة تقوم على إقامة معازل مطهرة «من أي حضور فلسطیني حول المستعمرات/ «المستوطنات «وب?حاذاة محاور السیر، وتشمل أراضي الفلسطینیین المشجرة بالزیتون ومنعهم من جني موسم الزیتون». اذن، ما یطالب به (سموتریتش) فعلیا هو القضاء على موسم الزیتون الفلسطیني، وإحلال روایة إسرائیلیة مزيفة عبرادعاء زرع الاحتلال ملایین أشجار الزیتون في المناطق المصنفة (أ) وذلك في سياق یعني استدامة الاحتلال وضم كامل «الضفة» تدريجياً، وهو بند كان قد اصر علیه عندما تشكلت الحكومة الإسرائیلیة، على «أمل» فك ارتباط الفلسطیني بأرضه، بمعنى التطهیر العرقي، عبر إلغاء الرابط الروحي بین الزیتون والأرض من جهة، والمواطن الفلسطیني من جهة ?انية. وفیما یركز العالم أنظاره على «القطاع»، تتصاعد الاعتداءات الإسرائیلیة الممنهجة على كل مدن وبلدات ومخیمات «الضفة»، وهو عدوان مشترك بین جیش الاحتلال وقطعان «المستوطنین» الإرهابیة. ففیما تجاوز عدد المعتقلین منذ 7 تشرین أول/أكتوبر (یوم عملیة طوفان الأقصى) 2700 فلسطیني، وهي حصیلة ترتفع كل ساعة ویتخللها تعذیب وتنكیل بالمعتقلین، تجاوز عدد الشهداء ال (190) وهم أساساً من المقاومين بالسلاح. وغني عن الذكر ان هذا كله كان بمثابة توسيع اعمال المقاومة في «جبهة الضفة»، بحيث أشغلت قوى متكاثرة من المنخرطين في مختلف فرو? المؤسسة العسكرية والامنية الصهيونية، الامر الذي يخفف الضغط على المقاومة في"القطاع». وإن كان ما تشهده «الضفة» من حراك «لا یرق لمستوى الجریمة التي یتعرض لها القطاع «كما یرى البعض، إلا أن التاریخ القریب یثبت عودة «الضفة» بعملیاتها المقاومة رغم فرض جیش الاحتلال طوقا مشددا على مدن وقرى «الضفة»، واغلاق المعابر التي تربطها بأراضي فلسطین 1948، بما في ذلك المنفذ الوحید الذي یربطها بالأردن. كما وشمل الإغلاق كل المحافظات الفلسطینیة، مع إبقاء الاحتلال منفذا واحدا ضیقا لكل محافظة یربطها بباقي المحافظات للدخول والخروج ?ن خلال شوارع «استیطانیة،» وهو ما یصعب على الناشطین حریة الحركة والتنقل، علاوة على اغلاق الشوارع إما بسواتر ترابیة، أو مكعبات أسمنتیة، أو بوابات حدیدیة، أو حواجز مأهولة بالجنود. وبالمقابل، اتخذت قوات الاحتلال أحد أخطر الإجراءات عبر توزیع عشرات الآلاف من قطع السلاح على «المستوطنین» في «الضفة» منذ بدء الحرب على «القطاع»، على أمل ان تسهم تلك «المستوطنات» في تهجیرالعائلات الفلسطینیة من تجمعاتها المحاذیة للمستعمرات، وتشغل أهل «الضفة» عن مختلف أنواع المشاركات دعماً للمقاومة في «القطاع». ومع أن النفاق الرسمي العال?ي یتغیر رویدا رویدا تجاه المأساة الفلسطینیة (وبالذات بخصوص الحرب على «القطاع») ورغم التأييد الشعبي العالمي المتزايد للحقيقة الفلسطينية، يتوجب التحذير دوماً من خطر استغلال الحكومة الیمینیة الإسرائیلیة المعركة الدائرة لفرض «نكبة جديدة» تتضمن «انجاز» تهجير اهالي «الضفة» (وربما «القطاع») مع امكانية بأن تؤدي هذه المعركة الى الاطاحة بقوى اقصى اليمين الاسرائيلي المتطرف وفتح المجال امام مؤتمر دولي» بهدف بعث «التسوية السياسية» كما كانت عليه قبل حكم (نتنياهو) الذي قتل تلك «التسوية» عن سابق تصميم واصرار.