الأنباط -
قد يكون غريبًا للبعض اختياري لمقالة غير متوقعة عن "عيد الأُم" في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (كوريا الشمالية)، فقد رَغِبْتُ الكتابة في ذلك بعيدًا عن السياسة والاقتصاد والنزاعات بين الدول، لجهة ضرورة التعريف بما يتمتع به شعب تلك الدولة من مشاعر لطيفة وفيَّاضة بحقِ الأُم والأُمومة، وأحاسيسه الطافحة بالمحبة التي يُحيط بها قادته ودولته الصديقة والحليفة لنا، الواقعة في أقصى شرق قارة آسيا، وهي بالمناسبة بلاد شهيرة بعلومها وتقنياتها وثروات أرضها بمختلف الخامات ومنها الثمينة، وعلاقاتها أكثر من ممتازة تاريخيًا مع عددٍ من الدول العربية، وصداقتها لدول عربية أخرى ثابتة.
في السادس عشر من نوفمبر الحالي 2021م، احتفل أبناء الشعب الكوري بيوم الأم احتفالًا كبيرًا وواسعًا وشاملًا للدولة برمتها، وعلى رأس المُحتفِين كان رئيس الدولة الرفيق كيم جونغ وون، والحكومة بوزاراتها وكوادرها من الأعلى للأسفل، ومؤسساتها الرسمية، وهيئاتها الجماهيرية، جامعاتها، ومدارسها، ومعاهدها، وكلياتها، ومصانعها، ومزارعها، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة فيها، وكل مواطن كوري. كان كل ذلك جميلًا ولكأن العيد هو العيد الوطني للدولة أو عيد التحرير والاستقلال والسيادة، ما يؤكد بدون أدنى شك، المكانة العُليا والتميّز البارز والمحبة الواسعة التي تتمتع بها الأم والمرأة والأنثى عمومًا في تلك الدولة. ومظاهر العيد التي تابعتها أنا ظاهرة كذلك في امتلاء المَحَال المختلفة والأكشاك بالزهور في العاصمة وخارجها، واكتظاظ الشوارع بالناس الذين يتهافتون على شراء باقات الزَهر والتذكارات، ما يُشير إلى أن الشعب هناك يتقن تمامًا فن الاحتفال و"آلية التمتع بالسعادة".
كانت الأفراح بهذه المناسبة رسميًا وشعبيًا واسعة، ولم تقتصر على العائلات، فمكانة الأُم في تلك البلاد مُقدّسة بكل ما في الكلمة من معنى. في هذا العيد يُلاحَظ على وجه التحديد زيارة أبناء الشعب هناك لِ"قصر الشمس في كومسوسان"، وهو الموقع "الزوتشي المُقدَّس" من الدرجة الأولى حيث يرقد الرئيس العظيم كيم إيل سونغ، والقائد العظيم كيم جونغ إيل بملامحهما الخالدة، وعبَّروا عن أسمى آيات الاحترام لهما، ولكونهما أعليا قيمة ومكانة ودور وسُمو المرأة – المواطِنة، ومنحاها وأطفالها تقديرات وتسهيلات ووسائل خدمة ورفاهية حكومية لا نهاية لها وهي أكثر مِمَّا يتمتع به الرجل من رفاهية، تقديرًا لها ولدورها الإنساني والاجتماعي الخالد والذي لا يَخبو أواره اللطيف والمُنير على المجتمع.
المُلاحَظ أيضًا في الاحتفالات بعيد الأُم في كوريا الديمقراطية، دور الجنود والعسكريين من الجيش الشعبي الكوري أتجاه الأُم، وهم المرابطون على الخطوط الأمامية، فلم يَنْسَ هؤلاء هذه المناسبة الكبيرة، وها هم قد انهمكوا بإرسال بطاقات التهنئة ورسائل المحبة لأُمهاتهم وشقيقاتهم وخطيباتهم، فهم بيد يصونون أمن الوطن بثبات، وفي اليد الأخرى يقبضون على القَلَم يخطّون به التهاني ويرسلون الورود لمَن تحتفلن بالعيد في العاصمة بيونغيانغ، وفي غيرها من المدن والقرى والنواحي الكورية والشواطىء الكورية.
في إحياء هذه المناسبة على أرفع مستوى، رتَّبت وجَهَّزَت الدولة العروض الفنية المتنوعة في مختلف أنحائها، ضمنها في المراكز السكانية والمناطق المحلية والقصيّة والحدودية أيضًا، وتم تقديم العروض الفنية الموسيقية، والراقصة بأداء الفرقة الفنية الشهيرة عالميًا "مانسوداى"، وذلك على مسرح بيونغيانغ الشرقية الكبير، والحفل الموسيقي التاريخي للأوركسترا السيمفونية الوطنية في مسرح مورانبونغ الشهير، والعرض الفني العام للموسيقى والرقص بأداء فناني الفرقة الفنية القومية الوطنية في مسرح بونغهوا الفني. وجرى أيضًا العرض البهلواني العام على مسرح بيونغيانغ للسيرك، ومجموعة من ألعاب "العجائب وخفَّة اليد" على مسرح فرقة السيرك الوطنية، مِمَّا أضفى كثيرًا من السرور والحُبور على نفوس سكان العاصمة، والمناطق الحدودية البرية والبحرية والشعب عمومًا، الذين احتفلوا بيوم الأم على الطريقة الكورية المُمْتَعة. لكن، ربما واحدة من المشاهد الأكثر لفتًا للأنظار بعيد الأُم على الطريقة الكورية، هي جولات الفنانين الكوريين في أنحاء الدولة، حيث قدَّموا لوحات فنية راقية ومجانيَّة للأهلِين عمومًا، ولمَن لم يُسعفهم الحظ بالتوجه إلى المسارح والمواقع والمؤسسات الفنية والثقافية للاحتفاء بهذا الحدث الجليل.
فيا ليتني كنت في هذا العيد زائرًا إلى كوريا الجميلة التي أحبها حُبًا جَمًا، وزرتها مرات كثيرة، وتسلّمت من قادتها العظماء والبسطاء الأوسمة والميداليات والألقاب الفخرية العديدة، لأَطَّلع بأُم عيني على كيفية الاندغام الرئاسي الكوري مع الشعب في مِثل هذه المناسبة العالمية التي تحوّلت في كوريا إلى احتفاء وطني رسمي عالي المستوى وفاخر وأنيق ورشيق القَسَمَات.
*يحمل شهادة "الصحفي الفخري لجمهورية كوريا الديمقراطية".