نائب الملك يزور مجموعة الراية الإعلامية خرّيجو "أكاديميات البرمجة" من أورنج يطورون كودات المستقبل ويكتبون شيفرات التأثير "الصحة العالمية" تحذر من تفشي فيروس شلل الأطفال في غزة وزير الخارجية الصيني: الصين ليست لديها مصلحة ذاتية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية نتالي سمعان تطرب جمهور جرش بليلة طربية تراثية توقيع مذكرة تفاهم بين الجمارك الاردنية والضابطة الجمركية الفلسطينية مهند أبو فلاح يكتب:" مخاوف مشتركة " انطلاق مهرجان جرش في دورته الـ 38 غدا الخارجية الفلسطينية تثمن جهود الاردن في وضع القدس على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر الهناندة: التوقيع الرقمي معترف به ونعمل لاستخدام بصمة الوجه زين و"الوطني للأمن السيبراني" يُطلقان حملة توعوية لكِبار السن حول حماية البيانات على الإنترنت 84 شهيدا في 8 مجازر ارتكبها الاحتلال بغزة خلال الساعات الـ24 الماضية بلدية السلط الكبرى تنفذ عطاء خلطة اسفلتية(صور ) حوارية في "شومان" حول " مآلات العرب في ضوء التكتلات العالمية الجديدة " أيلة تخرج المشاركات في البرنامج التدريبي للإرشاد السياحي البيئي دعوات لتطبيق كودة العزل الحراري بدقة على الأبنية الاردنية بحث التعاون بين البلقاء التطبيقية ومركز تطوير الأعمال ومنظمة سبارك مصطفى محمد عيروط يكنب:الأردن دولة قانون ومؤسسات إبراهيم أبو حويله يكتب:بين القرآن والتحريف في التوراة ... استانا : انعقاد الاجتماع العام التنسيقي للأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي
مقالات مختارة

قصيدة مقامات بغدادية من السّائد المُتداول الى الجميل المُكتشَف

{clean_title}
الأنباط -
حسن حمّادي السّاعدي



في عالم قصيدة الشّاعر حميد سعيد - مقامات بغداديّة-نهايات انتقاليّة تبدو في مقاطعها المُتعدّدة الرّاكزة في النّصِّ ، يتجلّى فيها ثبات المخيال ، و يُؤرِّخ لها أن لا تُنسى ، و لها بدايات تَستحيل إلى ذكريات حُلميّة إطارُها الحُزن الشَّفيف و الفرح الجميل ،و هذا ما يَتَبَيَّنُ من قُوّة التّكوين لِلنّصِ إلى ما تلا ذلك من تَجريد و تَجديد ، و من تَعاشُق الماضي بالحاضر و التّرابط التّجزيئي بينهما ، فليستْ صياغةُ هذه القصيدة إلّا صورة حقّقتْ التّلاحم و التّباين في الحساسيّة المُرهفة داخل مخزونها الرّوحي ، و كان شاخصاً ما يُؤثّر في حساسيّتِها اللغويّة و نَغَمِها الصوتي للحرف و الجُملة الشّعرية الفائقة ، فأدرك الشاعر اليَقِظ أنّ كلّ تَطوّرٍ في إحساسِه المُتَفرَّد حيال حَيَويّة لُغة القصيدة و مؤثِّرِها النّفسيّ هو مَبعثُ موهبته منذ البداياتِ الأولى و قدرتُهُ الواهبة في تنويع الصِّياغة من جَزالة و ليونة في مناخ التّركيب المحكم ، و إنّ هذه الحساسيّة و ما يَحملُه من فكرٍ عميق يلتقيان بانسيابيّة دافقة .. من هنا تَبدأ هَرمونيّة قصيدة - مقامات بغداديّة - : احساس يَتَبَرْعمُ في حيويّة صاعدة في الألفاظ ، و عمقٌ في الأفكار ، و قدرة النّسج و تَعَدُّد الأصوات و تَآلفها .. و من شجرة هذا الكلام أستطيع أن اسْتَلَّ خيطاً حريريّاً لأقول : يقيناً أنّ هذه القصيدةالإنشاديّة المُوَشّحة بشفافية النّفس الإنسانية الشّاعرة ، إنّما هي فلسفة الشّاعر حميد سعيد في نَظريّة الحُبّ الحزين و الفرح المُدَمّى بِعثَرات المَسار الطّويل لِمكابداتِهِ في الحياة كونُها تُفصِحُ عن تَوَهُّج الموروث ، مُتَنَقّلةً بين مشاعرِهِ المُتّقدة و إرادتِه الناهضة ،و ما يَتَمَنّاه أن يكون .. ، و كأَنّه يحمل جَسَدَإنشاده فيهاإلى أبَدِ المُفارقة المحتوم .. ، و عند إمساكه بِوَهَجِ نبعة الرّيحان ، و فرط الرّمّان ، و سيّدة النُّزل حتى آخر مَقطعٍ في القصيدة ، أحسَبُ أنّهنَّ المُنشِدَ الخَفيَّ لِأَوجاعِ شاعريَّتِه في هذه القصيدة و في خَلْوة النَّفس و الجلوس على عَتَبَة الأمل المَشحون بالأسى ..فكلّ مافيه يَلتهبُ..يشتعلُ .. يَتَفَجّر ..
قصيدة - مقامات بغداديّة - كنزٌ و ثَراءٌ ، استخْلَصَها شاعر كونيٌّ ، فاستخرجَ من عالمها مواقف و منابع صَعبة ، لَحْظَةَ وقَفتْ فَرط الرُّمّان تَسْتَقريءُ الأَحداثَ و تَسألُ عن الأخبار ، رُبّما أَخْفَتْ ما تَبَيَّنَ لها في دَفيق الماء و ترَكتْ ذلك لقصيدة الشّاعر أن تَتَحدّثَ عنه بالعَزاء الجميل ؛ فالشَّمسُ لن تنحدرَ كثيراً للغياب ، و إنْ شاخ بُلبُلُ الإنشاد ، مادامتْ نَجمةُ النّفس تُشرقُ ثانية من إسار الليل ، فيَنتفض الرّماد في صَحوة الإنشاد الجميل ..!!
إنّ فخامة هذه القصيدة أنّها كلٌّ يَعكسُ الإنبهارَ في تَميُّزِها و امْتياز الشّاعر الحَصيف في صياغتِها شَكلاً و مَعنىً .. إنّهُ شاعرٌ هرمونيٌّ حضاريٌّ يأتي بتنوّع الأشكال و الصِّيغ من أدوات مختلفة التّركيب لكنّها جميعاً مُتّحِدَة الأَداء مُنتظِمة سَيْرِ الحَدَث و مُؤثّراته في أَناقة الدّالّ المَحفور بِدِقّةٍ في حُروف النَّصِّ الإِبداعيّ ، و قَبول استذكار ما مَضى ، حين يَلتفتُ إلى فَنّانه الذي كانت ريشتُهُ ترسمُ ملامِحَ الحياة شَفّافةً رائعةً ..
فُتِحَتْ للشّاعرِمَغاليقُ الأسرار ، لِيَتَبَيَّنَ
ما كان عليه في مَدينتِه الأُولى .. نهراً و جِسراً و أشجاراً و بيتَ حبيبةٍ ، و تلك الليالي للسّمَرِ البَريء و القمر الأخضر الطّالع و المُتَألِّق في سَمائها الأوفَر حَظّاً في فُؤادِهِ ..و في رِحلة الشَّجِنِ في قصيدَتِه يَجِدُ نَفْسَهُ افْتراضاً مع المُطرب الجميل ذي الصّوتِ الشّجيّ و مقام (اللامي ) الحزين و الأكثر شَجناً في محاكاة الرّاحلين و المُغتربين و الغائبين عن الدّيار ، فتَحتقِنُ أوداجُهُ : أين هي الدّار ؟!
و أينَ هي الحبيبة بَغداد ؟!
و تطول به الرُّؤيا ، فيستذكرُ نَبعةَ الرّيحان بِأسىً ، و حينئذٍ يتحَوَّلُ إلى مَقام الشّجَن و الفَرَح و الفخامة : مَقام البَيات .. و مازال مُسرِعَ الخُطى من مَقامٍ حزين إلى آخَر ، بين فَرْط الرُّمّان و نَبْعة الرَّيحان و بيّاع الورد و كأنّنا نجولُ معه بُستان روحِهِ في جَوهر القصيدة و مُؤثّرِها الإيقاعيّ المُختلِف ، فتزداد الرُّؤيا تَكاثُفاً و تستحيل الأحزان لوحةً يَدْهَمُها بِأَلمٍ رمز مَقاهي بغداد النّبيل سَلمان - حين سال دمُهُ بِرصاصة قنّاص أمريكيّ وَقِحٍ - و يَتأجّجُ مشهدُ القَتامةِ ، و يَنقطع المنشدُ عن استمراريّة نغم القصيدة لتَمتزج أمام عينيه صورة دم سلمان و عُرس الدّم لذلك الفتى الإسبانيّ العظيم لوركا بِرصاص أعداء الحياة ، آنئذٍ تنفتحُ أبواب القصيدة على كونيّةٍواسعةٍ لِتحتضن إنسانيّة الإنسان المكافح في أماكن أخرى من العالم .. عندها يقف مذهولاً عن زمن مضى و زمنٍ هو فيه الآن : احتلالٌ أفسدَ ما في الوطن من جمال و قدسيّة و حياة .. فتنحني القصيدة هذه لِمُبدعِها الكبير في إيقاع الرّسْت ..حالة للخشوع و الصّوفيّة و المُناجاة ، و يعود يسأل ثانية عن ضياع الحبيب ،و أين هي بغداد ؟! و بِحُزنٍ عميق يغتسلُ بِماء عِفّتِهِ و صبرِهِ الجميل و إرادتِه في تَمرُّد النّفس و القصيدة ، فيبتعدُ عن عينيه مَرْأى بغداد الجمال و فُتوّة الأصدقاء و تتصاعدُ حركة المعنى الأعمق في القصيدة ، ربّما تَبقى مُضمَرَةً في انتقالاتٍ أُخرى في دلالاتها و النِّظام الذي شَرّعَهُ لها المُبدع منذ بدايتها مُعتمداً جَدَلَ أساسيّات الإختلاف و جميل المُسْتكشَف بِميزةٍ تتعامل مع روح الشّاعر و تكامُل التّكوين الشِّعريّ في قصيدته و يختتم هذا المَشْهد المُختلف الدّرامي بِمَقام الحجاز الحزين ، لحظةَ رأى رَسّامَهُ الباهر الذي لم يبقَ في لوحتِهِ سوى خُطوطٍ مُضطربة و الرَّمادُ في كلّ مَكان …!!