·النائب السابق الدكتور أحمد عناب
كنت من أوائل الذين حضروا حفل إشهار كتاب مذكرات دولة طاهر المصري الأكرم (الحقيقة بيضاء)، وكأنني بها بيضاء من غير سوء، كيد النبي موسى عليه السلام أمام السحرة.
اشتريت الكتاب وقرأته ودرسته، وختمته في أقل من يومين، مع أن صفحاته تقترب من 900 ، وهذا يعود لشدة احترامي لصاحبه، ولفضولي الشخصي، ولكني فوجئت في سرد مذكراته، أثناء تشكيل حكومته، بعد استقالة حكومة مضر بدران عام 1991، أنني لم أمنح الثقة لحكومته في السادس من تموز 1991 لاعتقادي بأنني أفضل من زميل لي في دائرتي الانتخابية كان قد ضمه إلى حكومته. وهذه المغالطة قد ذكرت ثلاث مرات في الصفحات (336، 314 ، 351).
وهنا أرد، لا من أجل مكابرة، أو دفاع عن نفسي أو تجنّي على الآخر، لكن أستغرب وأستهجن ما ورد بما يلي: أولاً أنا لم أطلب على الإطلاق من دولته أن يمنحني حقيبة وزارية، وثانياً لم أذكر يوماً أمام شخصية أن باعتقادي كما يقول أنني أفضل وأحقّ بالوزارة من زميل في دائرتي أو غيرها، كذلك لم أتفوّه بأي اسم لزميل.
وثالثاً أذكر أنه التقى دولته قبيل تشكيل حكومته أعضاء كتل برلمانية، ومنها أعضاء كتلة الوطنيين الأحرار، وكنت عضوا فيها، مع الزملاء النواب، سعد حدادين، جمال خريشة، والمرحوم الدكتور محمد أبو عليم، ومحمد معرعر، وأخبرنا دولته أنه مكلّف من قبل جلالة الملك الحسين بتشكيل حكومة، ويرغب في مشاركة أعضاء من مجلس النواب من كتل وأحزاب ومستقلين. ولا أذكر أنني تفوّهت بأية كلمة تفيد بما ذهب إليه، فيما قال له المرحوم أبو عليم: أصبحت باشا أبو نشأت. وبخصوص المشاركة سنعطيك جواباً عندما نتداول الأمر بيننا.
والسؤال الهام والكبير: كيف ابتعد دولته كثيراً ووصل في مذكراته إلى حقيقة ما أورده في صفحات مذكراته الآنفة الذكر؟ كيف قرأ دواخل نفسي بخصوص ما أورده في مذكراته اعتقادي أنني أفضل من زميلي لأكون صاحب معالي. هذا مناف للناموس، فدولته يعلم أنني لم أمنح الثقة أيضاً لحكومات قبل حكومته، وحكومات بعدها لإيماني بالديمقراطية وأن الشعب مصدر السلطة لتشكيل أحزاب تعبّر عن مبادئه ومصلحته وحريته لا حقائب وزارية تمنح خلف أبواب موصدة تقوم على نظام عسكري قبلي أردني ووطني فلسطيني فوقي، هذا هو اعتقادي وإيماني.
كنت أردد في حراك مظاهرات الربيع العربي أبيات شعر منها: ( فَمِن خِدَعِ السِياسَةِ أَن تُغَرّوا ................. بِأَلقابِ الإِمارَةِ وَهيَ رِقُّ )، وإن أنسى، لا أنسى أن أذكّر دولته عندما زارني في كفرنجة، بعد عدة سنوات من مسألة تشكيل وزارته، ومؤتمر مدريد الأسطوري، مع ضيوف آخرين منهم دولة عبدالكريم الكباريتي ومعالي زياد فريز والعين الأستاذ حسني عايش ومعالي الدكتور وجيه عويس والقسّيس سيمون والسفير أحمد ادريس والمهندس خالد عناب وفي أثناء الجلسة بادرني الكباريتي: أنت لم تمنح الثقة لحكومة المصري حينها لماذا؟. عندها أجبت: حدث هذا من أجل صالحته، حتى لا يشارك في مؤتمر مدريد من أجل عقد معاهدة صلح مع الدولة الصهيونية كرئيس وزراء مسؤول عن عقد معاهدة سلام على حساب حقوق فلسطين وشعبها، وأؤكد أنني وحسب قناعتي قدمت خدمة له بإبعاده عن خطأ وخطيئه تلك المعاهدة، ولا شك أنه كان مرتاحاً عندما قدّم استقالة حكومته نائياً بنفسه عن هذه الخطيئه.
هذه قصتي مع مذكرات دوله الأستاذ طاهر المصري الذي أشهره قبل مدّه قصيره وتضمّن تشهيراً قاسياً واضطهاداً ظالماً لي، وكأني أنموذج بشري فلسطيني في الكيان الصهيوني وأمثاله.
أملك حقّي الدستوري في حجب أو منح الثقة في مجلس النواب، وليس لرئيس حكومة الحقُّ في أن يتكهّن ويقيّد حريتي وقناعتي بحجب الثقة ويعزو ذلك لأسباب تهيّأت له، أو من إشاعة ونقل كلام، أي كلام، إلّا اذا كان رئيس الحكومة الأردني أياً كان، عدا المرحوم دولة سليمان النابلسي يؤمن أن العالم الذي في رأسه أكبر، من العالم الذي في رأس العالم، كما قال الأديب فرانس كافكا.
أتمنى على الأستاذ طاهر المصري أن يراجع ما كتبه بعبارات أكثر دقة وتواضعاً، سيما وأنه يعترف أنه ارتكب أخطاء متعددة في هذا الكتاب وأظن أن ما علّله بخصوص حجب الثقه عن حكومته في عدم منحي حقيبه وزاريه بدلاً من زميل آخر هو خطأ بل خطيئة. لا أنكر أن لك الحق أن تمنح الحقيبة لمن تريد أو تحرمها، لكن لا يحق لك أن تنكر على نائب حق حجب أو منح ثقته بها.
لا يوجد نظام أقسى وأصعب وأكثر مرارة من حكم الديمقراطية، لما فيها من حرية التعبير والتفكير والحب والكره والكلام المنوّع بسبب أنها تحتاج دائماً إلى زياده في رفع صوتها ومنسوبها لضمان حرية الفرد في اختلاف الرأي وهذا ما تفتقده دولتنا؛ لأنها مجرّد حكومات، وليست وطناً به شعب وأهالي.
سأقوم بتقديم شكوى إلى القضاء بسبب هذا التشهير القاسي بدون رحمه، على ما جاء في المذكرات بحق نائب برلماني حرّ ظن أنه يعيش سياسياً بروح الميثاق الوطني الأردني العتيد الذي شبهته بالميثاق العظيم "الماجناكارتا" الذي وقعه الملك جون ملك انجلترا استجابه لمطالب الشعب سنه ١٢١٥م. لكن أين الثرى من الثريا؟