الأنباط -
بقلم الدكتور رافع شفيق البطاينة.
طالعت التقرير السنوي لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد لعام 2020، فقد اظهر التقرير أن الهيئة تعاملت مع 2090 شكوى في عام 2020، تم فتح 769 تحقيقا، أحيل منها للمدعي العام 170 ملفا، كما تم إنشاء وحدات مختصة مثل وحدة الاستثمار، الدعم الرقمي، وهي تنقسم إلى قسمي الاستخبار الرقمي والأدلة الرقمية، التي ساهمت باستعادة 9ر1 مليون دينار، وإيجاد حلول لعدد من العقبات والمشاكل التي واجهت بعض المستثمرين. ما يعني أن الهيئة كانت تستقبل يوميا ما معدله من ثمانية إلى تسعة شكاوي من مجموع ايام السنة العملية اذا ما استثنيا عدد ايام العطل الرسمية، وهذا كم هائل من الشكاوي التي تحتاج إلى جهد مضني ومكثف، تبدا باستقبال الشكوى ودراستها، والتأكد من مطابقتها لقانون الهيئة من حيث توافقها مع اختصاصها القانوني، وأنها تشكل جريمة فساد، ومدى توفر الأدلة والشهود، ومن ثم تحويلها الى ذوي الإختصاص من المفوضين والموظفين المعنيين، وبعد جمع المعلومات والوثائق المعززة يتم تحويلها الى الادعاء العام في إلهيئة لإجراء التحقيقات القضائية والفنية والقانونية، وبعد استكمال التحقيقات والتثبت من صحة المعلومات والأدلة والقرائن القانونية، وتوصيف التهم، يتم رفعها الى المحكمة المختصة لإجراء المقتضى القانوني، حتى صدور الحكم النهائي، لقد أظهر التقرير حجم الإنجازات التي حققتها، وهذا يعكس تزايد ثقة الناس بمصداقية وجدية الهيئة في التعامل مع الشكاوي الواردة إليها ومحاسبة كل من تثبت إدانته، وأنه لا يوجد أحد خارج سيادة القانون، فالتزمت بتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه حينما قال لا يوجد أحد فوق القانون، وطبقتها عمليا على أرض الواقع، لقد مرت فترة أن تراجعت ثقة الناس بالهيئة، وكان لديها شكوك بمدى جديتها بمكافحة الفساد، وأنها تتعامل بمعايير مزدوجة، تطبق القانون على الضعفاء، وتغض النظر عن تطبيقه على المتنفذين، ولاحظنا بعض الاستقالات التي تمت من قبل عدد من المفوضين، ووصل الأمر أن خرج أحدهم على الإعلام ووضح بعض الممارسات التي تتم في الهيئة والمتمثلة بعدم جديتها في فتح بعض ملفات الفساد لعدد من المسؤولين، فكانت هذه الإطلالة والتصريحات القشة التي قصمت ظهر البعير، إلا أن عطوفة رئيس الهيئة الحالي الباشا مهند حجازي وزملاءه أعضاء مجلس الهيئة قلبوا المعادلة، واستطاع مع زملاءه استعادة الثقة بسرعة وفي زمن قياسي ، ويعيد لهذه المؤسسة الوطنية هيبتها وقوتها، والعمل ضمن منهجية تراتيبية قانونية منظمة، فقام بتطوير وتحديث التشريعات الناظمة لعملها لجهة توسيع صلاحياتها، وحماية المبلغين والشهود، وزيادة عدد المدعين العامين، وغيرها من إجراءات التطوير الإداري والقانوني من حيث تبسيطها، علاوة على المشاركة وتنظيم المؤتمرات وورش العمل التدريبية والاستفادة من التجارب الدولية لمكافحة الفساد، وأصبح الهيئة محجا للدول العربية للإفادة من خبراتها المتميزة على مستوى المنطقة والإقليم، لقد ثبت لنا أن الهيئة تعمل بصمت ، دون ضجيج إعلامي أو الإشارة الى إنجازاتها بهدف الشعبوية ، وذلك حفاظا على سمعة الأردن ومؤسساته، أمام العالم، وحفاظا كذلك على سمعة الغالبية العظمى من موظفي القطاع العام الذين يعملون بتفان ونزاهة وإخلاص، حتى لا تسيء لسمعتهم أمام المؤسسات العربية والدولية فتغلق أمامهم فرص العمل في الخارج، لأن قضايا الفساد طالت عدد بسيط من موظفي القطاع العام، مقارنة مع الحجم الواسع للقطاع الإداري العام، حتى الإنجازات التي تتطرق إليها هيئة النزاهة إعلاميا تكون على استحياء لأن الإنسان بحق نفسه دائما ضعيف، فالأصل أن يقوم الجمهور بتقييم أداء الفريق، وليس الفريق من يقيم نفسه ، وقبل الختام أود أن أنصح وأقترح على الهيئة ولتحقيق المزيد من النجاحات وكسب المزيد من السمعة الطيبة وترتفع شعبيتها الوطنية والإشادة بها ، أن تتوسع بمكافحة الفساد الإداري بكافة أشكاله من تعسف في الإحالات على التقاعد والتقاعد المبكر والإستيداع للكفاءات الإدارية ، والتعيينات غير العادلة وتدوير المواقع والمناصب، لأن الفساد الإداري من وجهة نظري والكثيرين أشد خطرا وله انعكاسات سلبية على الدولة أكثر من الفساد المالي، والشواهد على ذلك كثيرة وظاهرة للعيان، ولذلك حتى نكون إيجابيين علينا أن نبرز مواطن النجاح لأي مؤسسة ، لكي نشجعها ونحفزها على المزيد من النجاحات والإبداع، نشد على أيدي إلهيئة بكامل كوادرها الإدارية والفنية والقانونية، ونثني على أدائهم الوطني، ونقول لهم بوركت جهودكم النيرة التي تعمل وفق توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه، وهدفها الوصول الى صون المال العام والحفاظ عليه، ومحاسبة المخطىء وتبرئة البريء والنزيه والنظيف، وإظهار الحق والحقيقة، لأن الحكم عنوان الحقيقة، حمى الله الأردن وقيادته الحكيمة وشعبه الوفي من كل مكروه.