الأنباط -
.
محمود الدباس
كلنا يعلم قصة ذلك الثعلب الذي كان يسيرُ بين الجبال.. فوقعت صخرة على ذيله.. فلم يستطع أن يسحب ذيله من تحتها.. وعندما فشلت كل محاولاته.. لم يجد بداً من قطع ذيله للإفلات خوفا من الهلاك.. وبينما كان يسير مقطوع الذيل متألما.. التقى بثعلب آخر.. وحين رأى ذيله المقطوع ضحك منه وسخر.. فقال له اتضحك مني؟!.. أنا من يجب أن يضحك منك.. فأنا قطعت ذيلي لأستمتع بذلك الشعور الذي لم أشعر به قط.. فأنا أشعر وكأنني محلق في السماء.. خفيف كالريشة.. وسعادتي غامرة..
ومثلك لن يشعر بما أشعر به إلا إذا قمت بقطع ذيلك..
وهكذا أقنعه فقطع ذيله.. وعندما شعر بالألم.. قال لم أشعر بما أخبرتني به.. بل أشعر بألم شديد.. فرد عليه وقال.. لو أخبرتك بالألم فلن تقطع ذيلك وتصبح مثلي وستبقى تسخر مني.. وما عليك الآن الا أن تساعدني لنقنع الآخرين بقطع ذيولهم ليصبحوا مثلنا..
وفعلا بدأ الاثنان يقنعان الآخرين بقطع ذيولهم.. وهكذا أصبحت الأكثرية مقطعة الأذيل..
لم تنتهي هنا قصتنا.. فلم يكتفوا بما فعلوا.. بل انهم أصبحوا يسخرون ممن لم يقطع ذيله.. ويعتبرونه انه ليس سويا.. ولا يمت لهم بصلة..
فحين يصبح الفساد والإفساد هو الغالب الأعم في المجتمع..
وحين يسخر أهل الفساد مِن كل مَن هو أمين وَرِع..
وحين تصبح المحسوبية والواسطة هي الطاغية في المعاملات والمفاضلات..
وحين يُستبعد المحافظ على النظام والقانون والإلتزام.. لا بل يُنعت بأنه لا يعرف كيف يدبر أمره.. وانه لا يتماشى مع الواقع..
وحين تصبح الوقفات الاحتجاجية عربون الجلوس على الكرسي..
وحين يُقَدَمُ الجاهلُ ويُؤخَرُ العالِمُ.. وينظر له بأنه شخص بسيط..
وحين ترى أهل السوء يسخرون من أهل الخير..
وحين تجد هذه "الحينمات" قد اجتمعت مع بعضها..
فاعلم أننا لسنا ببعيدين عن ذلك المجتمع الثعالبي..
أبو الليث..