الأنباط -
يلينا نيدوغينا
لم أعد أرغب في التجوال في شوارع عمّان، لا مَشيًا على الأقدام ولا في سيارات ما. لقد كرهتُ ذلك كُرها شديدًا، فمَشَاهِد الأطفال الذين يُخرِجون رؤوسهم من النوافذ وأسطح السيارات، ويَلهون في المَقاعد الأمامية بجانب أولياء أمورهم بدون شدِّ أحزمة الأمان مِن حَولهم، أصبحت صورًا مُزعجة ومُبكية جدًا في آن واحد، وعلامة شُؤْمٍ تؤكد "رجعية" جزء من الأهل الذين "يُخلِّفون" أبناءً وبنات ويُلقونهم إلى نار القَدَر، دون وعي بدورهم التربوي والأمان الجسدي والروحي لأطفالهم في مواجهة حوادث السير ومصائِبها، التي تُحدِثها رعونة وغباء البَابا والمَامَا وصفرية دورهم التربوي.
طوال السنين الطويلة من حياتي في المَملكة، كنت أود أن أرى بعيني مخالفة تُحرَّر لمواطن يقود سيارة ويَسمح لأبنائه أو بناته إخراج رؤوسهم من نوافذها الجانبية أو فتحاتها العلوية، (وبالطبع، المُخالفَات تُحرَّر للمُخَالِفين، وهي وسيلة رادعة لخطاياهم)، حيث تَتَكرَّر هذه "العادات" اللاعقلانية والمُضادَّة للقانون في الطرقات المُزدحِمة، وفي مناطق "الدواوير" العَمَّانية التاريخية والجميلة.
التكرار اليومي للمخالفات في هذا المجال، يُؤشِّر على ضرورة تفعيل القبضة الشرطية الأكثر حزمًا على المُخَالِفين للقوانين، التي تَصُبُّ بالذَّات في صالح تلك العائلات التي قد تُصبح بين ثانية وأخرى ثَكْلَى بفقدان أحد أفرادها، وبرعونةٍ ما قد يَقترفها سائقٌ مُتَهَوِّر، أو رَبُّ عائلةٍ خالٍ من روح المسؤوليةِ، وأُم تلهو بمِكياجها أو خلال استمتاعِها بأُغنية ما أكثر من عنايتها بأطفالها في سيارة تنْهّبُ الأرضَ نَهْباً في شارع اتوستراد. أضف إلى ذلك، استعراضات ما يُسمّى بِ "ريَاضَات" يُقيِمها مراهقون وأولاد شوارع بأحذيتهم المُصنَّعة بعجلات، وبقهقهاتهم العالية المُتحدِّيَة للقانون والمواطنة السَّوِيّة، يَلهون بالتعلّق بالحافلات المُسْرِعة، "إنجازًا" منهم لبطولات مزعومة، صبيانية، في سِني مراهقتهم وجَفاف عُقولهم.
يَمنع التشريع كل هذه المُمَارسات السلبية، فهذه في حقيقتها حَمَاقَات يَرتكِبُها بُلهَاء، ومن واجب القانون ورجال القانون، إظهار قراراتهم الحديدية في وجه كل مَن تسوِّل له نفسه ترك أولاده في مَهَبَّات الرِياح وعواصف الأزمات، ليموتوا في الطرقات، ولتنزف دماؤهم، وتُشوَّه أجسادهم الغضّة، ولينتهي تاريخهم الشخصي على أبواب المَشافي، وفي غرف الجِراحة الحثيثة تحت مَبَاضِع الأطباء، أو ليعيشوا كل حياتهم المُتبَقية في نكدٍ، مُقعَدِين على كراسي متحركة.
كأمٍ لأطفال إدركُ بعمق معنى هِبة الحياة المُقدّسة، المُهداة إلهيًا لكل طفلٍ وإنسان، لعَل مَن يهمهم الأمر يلتفتون إلى ما ورد فيها، وصولًا لتفعيل حَرف ونَص القانون، لوضع حدٍ نهائي لحوادث السير بخاصةٍ في مجتمع الأطفال والمراهقين؛ لتأكيد حَدٍّ نهائي لكُلِ مَن تُسوّل له نفسه "ترك الحبل على الغارب" في مُسلسلِ حوادث السير المؤلمة على الطرقات، والتي يَندى لها جبين العُقلاء.