الأنباط -
أثار خبر عودة "المعارض" الأردني نايف الطورة –شافاه الله وعافاه- إلى عمان سالماً غير غانم؛ حالة محمودة من الجدل والنقاش بين نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، ففي حين رأى بعضهم في السماح له بدخول الأردن خطوةً إيجابيّةً من الدولة التي ينبغي أن تترفّع عن الانتقام بحرمان المواطن من حقّه المتأصل في الإقامة في وطنه ومغادرته والعودة إليه متى شاء بسبب آرائه أو توجّهاته السياسيّة، تساءل آخرون عمّا اعتبروه "ازدواجية" في التعاطي مع الأصوات المناوءة للنظام من الخارج وتلك المعارضة للحكومة وسياسات الدولة في الداخل.
انتهجت الدولة الأردنيّة منذ تولّي الملك الراحل الحسين بن طلال رحمه الله سياسة الاحتواء والتسامح مع أشد المناوئين لنظام الحكم فيها إلى حدّ الصّفح عمّن اتهموا بـ "محاولة انقلاب" سنة 1957، حيث سُمِحَ لهم بالمغادرة إلى سوريا ثمّ العودة إلى الأردن بعد أن صدر قرار بالعفو عنهم عقب صدور أحكام قضائيّة بإدانتهم، ليتولّى عدد منهم مواقع قياديّة في أجهزة الدولة المختلفة.
في المقابل، ثمّة من يرى أن التعامل يتم بحزم أكبر مع "معارضي الداخل" الّذين اعتقل بعضهم وقيّدت حركتهم بطريقة أو بأخرى وحرموا لسنوات طويلة من تولّي وظائف عاديّة في الجهات والهيئات الحكوميّة على الرغم من أن بعضهم لم يرتكب من الأفعال ولم يأتِ من الأقوال ما قام به مناوئوا الخارج أصحاب البثّ الحيّ بشخوصه الميّت بمحتواه.
سياسة الدولة الاحتوائيّة مستمرّة حتى بعد تولّي جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين مقاليد الحكم، إذّ توالت قرارات العفو الخاص عن نشطاء في الداخل اتّهموا بجرم إطالة اللسان والتحريض على نظام الحكم خصوصاً في مطلع العقد الثاني من هذا القرن الّذي شهد بداية ونهاية "ثورات الربيع العربي". أكثر من ذلك، لم يتردّد جلالة الملك بالعفو عمّن "غُرِّر" بهم في "قضية الفتنة" بعد مناشدته من قبل شخصيات سياسيّة واجتماعيّة، لتقتصر المحاكمة على الشريكين الرئيسيين باسم عوض الله والشريف حسن.
السؤال المحوري الذي ينبغي طرحه لفهم كيف تفكّر الدولة في ما يتعلق بآليات التعامل مع ظاهرة مثل الطورة وغيره من الفقاعات الصوتيّة المنبعثة من الخارج هو: إذا ما تمّ اعتقال الطورة فور وصوله إلى مطار الملكة علياء، فما هي التداعيات المحتملة لمثل هذا القرار؟ الطورة كان سيعتبر "أيقونة الحراك الشعبي وصوت المضطهدين في الأرض وعميد المعارضين السياسيّين..." وهو من وجهة نظري أبعد ما يكون عن ذلك كلّه، وكلّ من يهاجمه اليوم بسبب عودته ويتّهمه بـ "النفاق السياسي... والمهادنة... وتغليب مصلحته الشخصيّة..." كانوا سيدشّنون هاشتاغات "الحريّة لنايف الطورة... نايف الطورة يمثّلني..."، لذلك، ومن الناحيّة السياسيّة، فإن الدولة تتعامل مع المعارضين والمناوئين حالةً بحالة، إذ لا يمكن –وفقاً لنهج الدولة المتّبع- التعامل معهم بمسطرة واحدة ومنهجيّة موحّدة، فالفيصل في تحديد طريقة التعاطي معهم سياسيّاً مرجعه في ما يبدو حقيقة وقوّة التأثير على الرأي العام والشارع.
الشاهد أنّه لا يمكن تصنيف الطورة وغيره من حكواتيّة الخارج بأنهم معارضة، حيث لا قواعد ولا برامج ولا رؤية واضحة، فالشتائم والحكايات المختلقة التي توحي لسامعها أن الحكواتي الّذي ينسجها على أوتار حنجرته يستيقظ وينام في أروقة الحكم ومراكز صنع القرار؛ أن تخلق معارضاً ولا حتى مناوئاً ذي قدر وشأن، فالطورة وغيره ظاهرة صوتيّة ناقمة على الدولة وليست غاضبةً منها لأسباب خاصّة بها لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد، لذلك فإن عدم التعرّض لنايف الطورة وتركه يدخل البلد بسلام كان –من وجهة نظري- تصرّفاً حكيماً من الناحية السياسيّة لكنه مشوب بعوار قانوني يحتاج إلى معالجة جذريّة من خلال بلورة رؤية ومنهجيّة واضحة للتعامل مع المعارضين والمناوئين على حدٍّ سواء، بحيث يتم تعزيز المعارضة بمفهومها السياسي الرصين والمنظّم حزبيّا، مع تضييق المساحات على المناوئين لنظام الحكم الساعين لزعزعة الاستقرار؛ من خلال توسيع آفاق الحريّات وتشجيع الإعلام غير الموجّه المواكب لزمانه وأحداث مكانه.