الأنباط -
ابتعدت عن التغطية والكتابة والتحليل منذ بداية ازمة الكورونا، واكتفيت برشق بعض الكلاشيهات عبر صفحتي الشخصية على منصة الفيسبوك، لاسباب خاصة تتعلق بالطريقة التي اقرأ فيها الاحداث والقضايا المتعلقة بالشأن المحلي.
وخلال فترة ترحالي من خلف ديسك التحرير في صحيفتي الى شاشة منصة الفيسبوك في مكتبي المهجور، وجدت العديد من الظواهر الاجتماعية المتعلقة بنظريات سيكلوجية الجماهير، الامر الذي شدني للمتابعة والمراقبة بـ "صمت" لـ كيفية تعاطي الجماهير مع القضايا والاحداث والمستجدات التي تحصل على الساحة المحلية الاردنية، واجراء عدد من المسوحات واخضاعها لمعايير علم المقارنة والاستدلال على العديد من الفئات والعينات التي لها حضور بارز على منصة الفيسبوك وتلك التي حضورها معتدل وبسيط.
الامر الذي ربما لا يدركه الكثير، ان الجماهير لا يمكن مقارنتها بالافراد في طريقة تعاطيها مع القضايا والاحداث، حيث ان الفرد يبحث دوما عن البراهين والادلة من خلال التوثيق والاسناد العلمي والبحثي، بعكس الجماهير التي تعتبر كـ "كتلة واحدة" تبحث عن البساطة والأمور التي تدخل في دوائر الوهم، وهذا طبعا لا يمكن ان يتحقق الا وفق ذكاء شخص او مجموعة درست المجتمع الاردني ووجدت عدة طرق لتسييره وتحريكه.
ومن خلال البحث والتحري والمتابعة والرصد واستخدام عدد من معايير المقارنة والاستدلال وجدت ان المجتمع الاردني لم يصل الى مفهوم "الجمهور"، وذلك لكثرة التقسيمات والتصنيفات التي وجدتها في تعاطيهم مع العديد من القضايا التي تحدث في الشأن المحلي.
وعلى سبيل المثال لنأخذ قضية البطالة، فتجد من الغرابة ان يكتب وينشر الكثير من المتعطلين عن عمل مبررات تبرر للجماهير تفشي هذه الظاهرة طبيعيا، لتغطي على ضعف الحكومة في حل هذه القضية او الحد منها، بالرغم من انه متعطل عن عمل وهذا الظاهرة تؤثر على الجميع، وعليه فإن هذا دليل دامغ على ان المجتمع ليس جمهور وانما مجرد فئات وعينات مبعثرة افكارها وايدلوجياتها وطريقة تعاطيها مع القضايا العامة.
ومن الأمثلة ايضا زوبعة القضايا التي تتعلق بالمرأة، والتي نتج عنها وقفة احتجاجية للنسوة امام مجلس النواب، حيث رأينا بكل وضوح الانقسام الذي حصل فيكيفية تعاطي المجتمع معها حيث وجدنا المؤيد والرافض، والمهاجم والمدافع، علما ان المطالب التي تم طرحها من قبل المنظمين على الساحة العامة مطالب حقوقية بسيطة يتفق جميع المواطنين عليها، فكيف يتفق الجميع على المطالب ولا يتفقون بنفس الوقت، وهذا مثال ودليل اخر على ان المجتمع الاردني يعيش حالة من الانقسام او الانفصام الفكري في طريقة تعاطية مع القضايا التي تتعلق بالمصلحة العامة.
ايضا الازمة الحاصلة بين نقابة الحكومة ونقابة المعلمين، نرى بوضوح تام الانقسام الحاصل في المجتمع الاردني، حيث قسم المجتمع لفئتين الاولى #معالمعلم والاخرى والأخرى #ضدالمعلم، وفي حقيقة الأمر لا احد يقف ضد المعلم لان المعلم يعتبر اساس بناء الأمة، ولكن كما ذكرت لكم سابقا ان الجماهير تبحث عن الاوهام باسلوب بسيط، بينما الافراد يبحثون عن الادلة والبراهين، ففي قضية المعلم الكل متفق #مع_المعلم حتى الحكومة متفقه معه، ولكن لا يريد احد تقبل منهجية البحث عن الاسباب الحقيقية لهذة المشكلة وهذا الانقسام المجتمعي.
وهذا ايضا دليل دامغ على ان المجتمع ليس جمهور، وانما مجرد مجموعات وفئات تم تقسيمها من قبل اشخاص وافراد وتيارات منها معلوم ومنها غير معلوم تتحكم فيها وتسيير تحركاتها لعلمها المسبق أن الجماهير لا تبحث عن الادلة والبراهين كـ الافراد، الامر الذي يسهل عملها وتحقيق اهدافها التي تتفق مع مصالحها الخاصة لا مع المصالح العامة.
ما اود قوله، ان المجتمع الأردني يعيش حاله غير مسبوقة من التفكك الفكري، والتشتت في اصلاح ومعالجة القضايا المتعلقة بالمصلحة العامة، نتيجة عوامل دخيله ابرزها تيارات سياسية مستبده ظهرت عليهم بصبغة دينيه، وتيارات حقوقية قذفت من مستنقعات قذره من دول الخارج على المجتمع المحلي، الامر الذي فككه فكريا وعمل على تقسيمه لفئات تعارض وفئات تدعم، ما ادى الى اضعافه، لتسهل عملية السيطرة عليه، وبالتالي التحكم في توجهاته بذريعة عدة مفاهيم من ابرزها الحرية والديمقراطية، ولكن يتضح لنا ان السواد الاعظم من المجتمع المحلي يمارس الوهم الذي اوهم نفسه به تحت مسمى الحرية، ولكنها مجرد تبعية عبودية مطلقة لايدلوجيات تيارات معظمها مستوردة هدفها الرئيس دمارنا.