الأنباط -
أعلنت الحكومة الأردنية عن بعض الخطوات التي تنوي القيام بها في سبيل الوصول الى التأمين الصحي الشامل لكافة المواطنين مع وصولنا للعام 2024. وهذا الجهد يُذكر فيُشكر, ولكن الطموح أعلى من ذلك بكثير, فالهدف هو الرفاه الصحي وليس فقط التأمين الصحي الشامل.
تحقيق فكرة التأمين الصحي الشامل هي الخطوة الأسهل مقارنة بالخطوات التي ترافق تحقيق الرفاه الصحي, وهي جودة هذا التأمين من ناحية نوعية الخدمة ومن ناحية سرعة التقديم, ولا يقل أهمية عن ذلك الأثر المالي لهذا الرفاه على الدولة وعلى الفرد.
ما ذكره رئيس الوزراء من أن الحكومة الأردنية تنفق على القطاع الصحي أكثر مما تنفقه بعض الدول المتقدمة في العالم هو كلام صحيح من ناحية النسبة من الناتج المحلي, ولكن بسبب ضعف الناتج المحلي فإن المبلغ الذي بتم إنفاقه هو أقل من الدول المتقدمة. ومع قلّة هذا الرقم إلا أننا لو أحسنّا ادارة مواردنا الصحية لقدمنا خدمة صحية متميزة مقابل المبالغ التي تم ويتم إنفاقها حتى الآن على القطاع الصحي.
الرعاية الصحية في الأردن تعاني لأسباب كثيرة جداً, أولها و أولاها بالحل هو تشتت صناديق التأمين الصحي. هذا التشتت الذي يشكل مقتلاً لكل محاولة إصلاح صحي وضبط للإنفاق الغير مبرر في بعض الحالات. ولا يقل أهمية عن ذلك ما حصل من إنهاك للوزارة بأعباء و كوادر إدارية غير متناسبة مع الهدف العام السامي لوزارة الصحة, وتعكر المزاج العام للكوادر الصحية بين شكوى من ضغط العمل وبين شكوى من قلّة الدخل المادي مقارنة بالقطاع الخاص, والأهم عدم توفر الوظائف لعدد كبير من الخريجين من مختلف التخصصات الطبية.
وتعاني الرعاية الصحية أيضا بسبب ضعف منظومة الرعاية الصحية الأولية وعدم تقوية تخصصي طب الأسرة والطب النفسي. وتعاني بسبب مركزية بعض الخدمات الصحية وبسبب عدم التشاركية في تقديم الخدمة بين مؤسسات الوطن الصحية.
لا حلول رومانسية لهذه المعضلة, والحل يحتاج أن نبدأ بدل ان ننتظر تغير الحال من تلقاء نفسه. ولا حل سيبدأ دون ان يتفق الجميع على تقديم المصلحة الوطنية والانسانية على المنافع الشخصية, سواء كنّا موظفي قطاع عام ومؤسسات حكومية, أو كنا في القطاع الخاص. القطاع الصحي جزء من رسالته إنساني, ولا يجوز ان نربط تقديم بعض الخدمات فيه بتحسن الدخل فقط كما يحصل الآن من بعض الاصدقاء في الكوادر الصحية.
لا حل سينجح ما لم يكن مبنياً على توحيد صناديق التأمين الصحي وتقديم الخدمة بتشاركية عن طريق إعادة احياء المؤسسة الطبية العلاجية, واعتبار كل الكوادر الفنية في كل مؤسسات الوطن الصحية من مستشفيات الصحة ومستشفيات الخدمات الطبية الملكية والمستشفيات الجامعية والمركز الوطني للسكري والخلايا الجذعية ومركز الحسين للسرطان جزءا من هذه المؤسسة, وتوزيع جهودهم على كل مؤسسات الوطن الصحية بغض النظر عن مؤسستهم التي يعملون بها.
وفي الطريق الى الوصول الى عمل المؤسسة الطبية العلاجية, يجب على وزارة الصحة الاستفادة من الكوادر الطبية التي تعمل في كليات الطب التي تغطي مناطق هذه المستشفيات, حيث أن تجربة ادارة بعض كليات الطب للجانب الفني والصحي في مستشفيات وزارة الصحة مقابل بقاء الادارة العامة لوزارة الصحة أثبتت إمكانية تحسين الخدمة الصحية المقدمة للمرضى وتطوير مستوى التدريب عندما تتشارك كوادر الوزارة العمل مع كوادر كليات الطب.
ولا يمكن أن ننتقل نحو رفاه صحي دون أن تتبنى وزارة الصحة نهج الرعاية الأولية في المراكز الصحية النموذجية كنهج عمل. وهذا يجب أن يكون مسبوقا بمجلس طبي قوي تقوده شخصية ذات رؤية طبية واضحة تسعى للتوسع والتشدد في نفس الوقت في برامج الإقامة وجعلها وطنية المستوى, خاصة برامج الإقامة بتخصصي طب الأسرة والطب النفسي.
المواطن الأردني يستحق, ونحن نستطيع ان نفعل الكثير, المهم ان تكون المصلحة الوطنية العليا قبل المصالح الشخصية لبعض الكوادر وأصحاب القرار في القطاع الصحي , وان نتفق على ان رسالة الصحة الانسانية تعني كرامة مقدِّم الخدمة ومستقبلها بنفس الوقت.
الأردن سيتقدم إذا حاولنا و إذا عملنا. وكلنا يعرف أننا سبقنا الجميع في برنامج المطاعيم الوطني منذ سنين طويلة, وسبقنا الجميع في السياحة العلاجية وفي مستوى التدريب الصحي, لكننا اكتفينا بالسبق وتوقفنا عن التطور للأسف. فهل نفعلها جميعا ونحاول مرة أخرى ان ننهض من جديد ونحقق الرفاه الصحي لمواطنينا؟
د. محمد عبدالحميد القضاة.
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية.
عضو مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان.