بلال حسن التل
تناسى بعضهم كل ما قاله الدكتور هاني الملقي رئيس الوزراء السابق، خلال حواره مع جماعة عمان لحوارات المستقبل، الذي قدم خلاله وثيقة اقتصادية مهمة عن مسيرة الدولة الأردنية الاقتصادية منذ تأسيسها عام 1921 إلى يوم الناس هذا، استعرض فيها أهم المحطات والتحولات الاقتصادية وما تحقق من نجاحات وإنجازات، ولماذا حدثت الإخفاقات، وأين أصبنا وأين أخطأنا.
لقد تم تناسي ذلك كله من قبل البعض، رغم أن أكثر من وسيلة إعلامية بثت اللقاء كاملاً على الهواء مباشرة، مما أتاح الفرصة أمام الجميع لمشاهدته والحكم عليه بموضوعية، بعيداً عن القراءة المجتزأة التي يستمرئ أصحابها إنكار الحقيقية وإنكار الإنجاز، والاستمرار بنشر الإحباط والإساءة للوطن، مثلما فعلوا مع حديث الدكتور هاني الملقي الذي زاد على الساعة والنصف لكن بعض الذين اعتادوا القراءة المجتزأة على قاعدة "ولاتقربوا الصلاة" أخذوا من كل الكلام عبارة واحدة بعد أن اجتزأوها من سياقها تلك هي عبارة "الأردن محسود" وتداولوها بسخرية، صار من الواجب الرد عليها لأنها سخرية من وطن.
هؤلاء الذين سخروا من القول بأن الأردن محسود، وفي إطار سياسة الإنكار التي يعتمدونها زعموا بأنه ليس لدى الأردنيين ما يُحسدون عليه، وهؤلاء يشبهون المعافى الذي لا يعرف قيمة صحته إلا إذا ابتلي بمرض، فهؤلاء المحسوبون على الأردن لا يعرفون قيمة ما يتمتعون به من استقرار وأمن، بل وإنجاز رغم ضيق ذات اليد وكثرت التحديات، لأنهم لا يمعنون النظر بما يحيط بهم وبالأردن من تحديات، عصفت بدول أكثر منا عدداً وأغنى منا مالاً، وأوسع جغرافياً من الأردن، ومع ذلك تشرد أبناؤها وصاروا لاجئين مشردين على حدود الدول، وفي مخيماتها، وابتلعت أمواج البحار الكثيرين منهم، ومن ظل منهم في بلده فإنه لا يأمن من قذيفة طائشة تفتك به وبأهله أناء الليل وأطراف النهار، مثلما لا يأمن أن تقوده عصابة مسلحة إلى مكان مجهول، بينما يعيش الأردني آمناً في بلده تحكمه حكومة واحدة ويمارس حقه في التعبير عن رأيه، ويُضرب عن العمل للضغط على الحكومة لتحسين أوضاعه رغم ضيق ذات يدها، وهذه بحد ذاتها نعمة يحسدنا الكثيرون عليها، رغم أن بين ظهرانينا من لا يقدرها ولا يؤمنون بأن بلدنا محسود.
وهؤلاء لا يكتفون بالإنكار، بل إنهم يجلدون ظهر الأردن صبح مساء بألسنة تحمل الكثير من الافتراء والتجني، عندما يمارسون هوايتهم بإنكار الإنجاز الأردني. وأوله أن قيادة هذا البلد حفظت الدولة الأردنية واجتازت بها كل العواصف والأمواج المتلاطمة التي تعاظمت من حولنا خلال العقدين الماضيين، ابتداء من تفجيرات نيويورك وتداعياتها على منطقتنا، ثم سقوط بغداد وما تلاه من إغلاق حدودنا مع العراق، الذي اكتمل بإغلاق حدودنا مع سوريا بفعل الأحداث التي شهدها كلاً من هذين البلدين الشقيقين، والتي عصفت بأمنهما واستقرارهما وشردت شعبيهما، وأدخلت الأردن في حالة حصار اقتصادي محكم، عطل الكثير من مساراته الاقتصادية، كالنقل البري والقدرة على التصدير بالإضافة إلى رفع كلف الاستيراد وارتفاع فاتورة الطاقة، ومع ذلك ظل الأردن واقفاً على قدميه حامياً لمواطنيه، ومع ذلك ينكر بعضهم أن يكون لدى الأردن ما يحسد عليه.
بالإضافة إلى ما ذكرناه من التحديات والمخاطر، التي اجتازها الأردن محافظاً على أمن واستقرار أبنائه، مما ينكره هؤلاء الذين يجلدون ظهر وطننا، ويفترون عليه، ويسيؤون لصورته وسمعته، متجاهلين كل المخاطر الوجودية التي اجتازها، ومنها حماية أبنائه وضيوفه من الإرهاب الذي استهدف منطقتنا فاستطاع الأردن أن يمنعه من الاستيطان فوق التراب الأردني كما فعل في العديد من دول المنطقة، التي تحول أبنائها إلى رهائن لدى تنظيمات الإرهاب، بينما كانت أجهزة الدولة الأردنية وفي مقدمتها قواتنا المسلحة لهذا الإرهاب بالمرصاد، ليس في عمان واربد والسلط والبقعة والكرك فقط، بل لاحقته في عقر داره، لينام الأردني قرير العين في داره وبين أفراد أسرته، وهذه أيضا نعمة نحسد عليها .
ليس الحفاظ على استقرار الدولة وأمن مواطينها والانتصار على الإرهاب وحده ما نحسد عليه،فبالرغم من الحصار الاقتصادي والأزمة الاقتصادية العالمية فقد حقق بلدنا خلال هذه السنوات العجاف الكثير من الإنجازات، فاستمر بناء المدارس والجامعات والمستشفيات والموانىء والمطارات، كل ذلك في الوقت الذي يبحث فيه أبناء الكثير من الشعوب عن مخيم يأويهم، بينما يضرب الأردنيون مطالبين بالمزيد من الرواتب والامتيازات، لكن العيون التي بها رمد لاترى، فكيف إذا كان فيها عمى كبعض الذين يستهجنون القول بأننا محسودين.