وليد حسني
رفضت الأغلبية النيابية أمس مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية ، في خطوة بدت مفاجئة تماماً لكل مراقب، ليكون ثاني مشروع قانون يرفضه النواب للحكومة في أقل من عشرة أيام.
برفض النواب للقانون يكونون قد فقدوا حقهم الكامل في مناقشته تعديلاً وقراءة وتطويراً، وبدلاً من قبوله وتعديله سيحال الى مجلس الأعيان الذي أصبح هو صاحب السلطة في رسم السيرة الذاتية لهذا القانون المثير للجدل بالقدر الذي يمس فيه حرية الرأي والتعبير والنشر خاصة على الشبكة المعلوماتية ومنصات التواصل الاجتماعي التي يضيق بها ذرعا عشرات النواب.
قرار النواب برفض مشروع القانون ظهر وكأنه نتيجة اتفاق مسبق مع الحكومة، التي لم تحرك ساكنا في تسويق مشروعها أمامهم أمس، في الوقت الذي كانت فيه البيئة النيابية الى وقت اكثر من قريب تعلن تاييدها لأية تعديلات على القانون تستهدف النيل من محاربي منصات التواصل الاجتماعي بعد أن غُصَّت تماما بنقد النواب ورفض أدائهم.
وللحقيقة فقد كنت أكثر اغتباطاً وفرحاً بقرار مجلس النواب برفض القانون، فهذه نقطة ايجابية تحسب للنواب لا عليهم، فقد كانت النتيجة انتصاراً برلمانيا لحرية الفضاء الإلكتروني، وانحيازاً نيابياً ناصعاً لمطالب الناس بعدم تكميم أفواههم وحريتهم بالتعبير على منصات التواصل الإجتماعي التي أصبحت المتنفس الوحيد لكل الأردنيين بالرغم مما يعتري استخدامها من سيئات وسوءات يتم توظيفها من قبل البعض للنيل من حرية الآخرين في التعبير عن انفسهم، وفي مهاجمة الجانب الشخصي من حياة العاملين في الحياة العامة بما لا يليق أخلاقياً وقانونياً.
بالأمس كنت أحدث نفسي عن السيناريو الأسوأ للسيرة الذاتية لهذا القانون الذي سحبته الحكومة من مجلس الأمة بهدف تشذيبه وتهذيبه وتطويره، وتساءلت لماذا لا يكون ثمة اتفاق حكومي نيابي يستهدف إنقاذ مجلس النواب تحديداً من استحقاقات قبول القانون وإقراره، ونقل معركة القانون نقلاً ناعماً من حضن مجلس النواب الى حضن مجلس الأعيان.
ووضعت سيناريو متمنياً أن لا يكون حقيقياً أبداً مفاده أن يرفض النواب مشروع القانون ليظهر بصورة إيجابية أمام الناس والملأ الأدنى، وبالتالي يفقد النواب حقهم بمناقشة القانون حين يصبح ملكاً لمجلس الأعيان والذي سيصبح بموجب الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب هو الأب الروحي للقانون.
حين ينتقل القانون لمجلس الاعيان مرفوضاً من مجلس النواب يفقد النواب حقهم في مناقشته ولا يحق لهم اجراء أية تعديلات عليه إلا بالموافقة على قرار الأعيان جملة وتفصيلاً، أو التمسك بموقهم الرافض له، وبالتالي الذهاب الى جلسة مشتركة لاقراره في سياق ما يمكن وصفه بتوزيع دمه بين القبائل.
برفض النواب لمشروع القانون أصبح بكليته ملكاً لمجلس الأعيان والذي سيرفضه أو سيقبله ويقره بالطريقة التي يراها مناسبة وبما لا يمس من صورة النسخة الحكومية الحالية وسيعاد الى مجلس النواب الذي لا يملك غير حق قبول قرار الأعيان، وبالتالي يصبح قرار رفضه في حكم الملغى، او ان يتمسك بقراره برفضه وحينها سيذهب المجلسان الى جلسة مشتركة يتم فيها اقراره بحيث يبقى مجلس النواب بعيدا مباشرة عن سهام النقد وتحمل المسؤولية.
ضحكت في سري وأنا أرسم مثل هذا السيناريو سيئ القسمات والتفاصيل والنتائج، وتساءلت، لماذا كل هذا اللف والدوران وبامكان النواب قبول القانون واقراره دون النظر لأية تخوفات من نقد الشارع والناخبين لهم..
مجرد سيناريو رسمته في مخيلتي من المحتمل تماماً ان لا يتحقق، لكنني احتكمت في بنائه على منطق السياسي حين يفكر بطريقة ناعمة في مواجهة ليست سلسة تماما، والى تجارب سابقة حدثت فعلا..//