كتّاب الأنباط

اقتصاد الليرة صباحا...

{clean_title}
الأنباط -

اقتصاد الليرة صباحا...

 

وليد حسني

 

في جيبك دينار واحد لا اخ له، فجيبك تكره الثنائية الدينارية، ولا تحبذ البذخ في تعداد اوراق النقد، وانت كما انت في هذا الصباح تقف حائرا أمام الإختبارات اليومية الصعبة لا تملك إزاءها ترف الإختيار.

 

صباحك مضيء كالعادة، ثمة استحقاقات ضاغطة عليك الوفاء بها هذا الصباح، تعيد تحسس ملمس الدينار اليتيم في جيبك، وقبل أن تهم بوضع اولوياتك هذا الصباح تتذكر تماما أنك محاصر بسلم من الأولويات لا تملك لها دفعا، ولا تملك هي لك نفعا، ويدهمك رغيف الخبز وتشكلاته الغذائية والمطلبية، فهو عماد البيت، وأساس مجابهة يومك بكل عناده وتفاصيله النزقة، وقبل ان تسحب يدك من جيبك تقسم الدينار اليتيم نصفين، الاول للخبز لتأمين احتياجات الطاقة البديلة لعائلتك التي أصبحت تحسن التصرف مع رغيف الخبز حتى وإن خلا البيت تماما، من الإدام، وتتذكر حديث النبي"نعم الإدام الزيت والخل.."، وتسأل في نفسك أي غذاء هذا؟، وهل لديك زيت وخل؟؟.

 

والنصف الثاني تحتار في كيفية توظيفه، فهذا النصف البغيض لن يسمح لك بالذهاب الى العمل تحت أي ظرف كان، ولن يسمح لك بالتفكير فيما يمكن لك عمله في هذا النصف المتبقي من الدينار.

 

تضرب صفحا عن الذهاب للعمل، وتجلس تفكر في فلسفة النصف المتبقي في جيبك، من هذه القطعة المعدنية سباعية الشكل والحدود، تتحسسها كأنما تتحسس قطعة اثارية قادمة من تاريخ سحيق لها قيمتها التاريخية التي لا ثمن لها لكنها في الحقيقة لن تسعفك بوضع خطط بسيطة لإدارة اقتصادك اليومي وفقا لكمية النقد المتوفرة معك"يا الهي نصف دينار في هذا الصباح ما الذي ستمنحه لي من خيارات؟؟" تسأله في نفسك وانت لا تزال تقتعد بيتك، لأن لخروجك من بيتك كلفة مالية أيضا لا يمكن للنصف المتبقي الوفاء بها او حتى تغطيتها.

 

تفرغ كل ما في جوفك من افكار وخطط في كيفية اقتصاد الليرة هذا الصباح، تديرها شمالا ويمينا، تحاول التجرد من عقلية المستثمر الخاسر، تفقد قوتك وهيبتك مرة، وتتخلى عن كل مزاجك الهادىء مرات، هنا تصبح إدارة النقود علما لا طاقة لك به، وهنا فقط يصبح المتبقي من الليرة هذا الصباح عنوانا للشك، والفراغ، وفقدان اليقين، والتردد البغيض بين نقيضين أن تصرفها من أجل اي شيء او تضع خططك لاستثمارها في اي شيء..

 

ثمة اقتصاد لليرة في كل صباح عند الالاف من الاردنيين لا يستطيعون معها إدارة افكارهم الاستثمارية وفقا للأولويات القصوى، وثمة قسوة لا يمكن لأحد حصرها إزاء الليرة اليتيمة التي يتوجب على رب العائلة التفكير في كيفية استثمارها..

 

من هذه المأساة الشرسة يمكن للحكومة أعزها الله أن تدخل طبقة "الليرة هذا الصباح" في ورشات عمل تدريبية في كيفية توظيف الليرة في اقتصاد السوق واقتصاد البيت تلافيا للحرج الذكوري لرب البيت ، ولتذليل عقبة استعصاء الليرة عن المساعدة في تغطية نفقات أسرة في كل صباح كئيب..

 

فاقتصاد الليرة بحاجة لإدارة تماما كما تحتاج أسواق المال والنقد لإدارة وإرادة..//

تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )