بهدوء
عمر كلاب
يباغت الملك كعادته اللحظة الوطنية والاقليمية بخطوات يصعُب اللحاق بها , فاللحظة المُحاطة بالقلق والشك , يكسرها الملك في عيد ميلاده بلقاءات شعبية مباشرة , يستنهض فيها الهمم ويستمع الى تطلعات الاردنيين وامالهم وطموحاتهم واوجاعهم ايضا , ومن الرمثا اول سهول حوران في شطرها الاردني , وبداية الحبل السُري الشعبي , وسنابل الالق المخضوضر املا بالمستقبل , يبدأ الملك لقاءاته وحواراته الواسعة , فالتواصل ديدن الملك ونبراس الحكم .
ولتنشيط الذاكرة اكثر , فإن الملك يستبق القرارات الحاسمة بجولات شعبية ولقاءات مفتوحة مع الاردنيين , ويبدو ان العشرية الثالثة من حكم عبدالله حماه الله , فيها الكثير من القرارات الصادمة لكل متكاسل ومتراخٍ , والاكثر ان ثمة ما يدور في الاقليم يحتاج الى روح معنوية عالية للدولة وللناس , وحركة الملك ولقاءاته وحدها من تبعث الامل وتشحذ الهمم , فبوصلة الملك دوما من عيون الناس ونبضهم , ولمزيد من التأكيد تأتي الجولات الملكية المباشرة والتقاط الرسائل والاشارات من مصادرها البِكر .
من آخر المخزون البشري الاردني شمال القلب يبدا الملك جولاته , فهناك حركة الاقليم وبوصلته المختلة , فالجنوب السوري ينتظر الفرج اللائح في الافق , وينتظر عودة قوافل اللاجئين الى ديارهم بعد استقرار الدولة السورية ونفوذها , ومن هناك يرنو الاردن الى عودة الوصل وزمانه مع دمشق ريحانة البر الشامي كله , وانبلاج الضوء الى طريق الاردن نحو اوروبا المضببة بالمواقف والطقس , لكن الرؤيا الاردنية واضحة وعين الجندي يقظة وذهنية الملك متقدة .
في عيد ميلاده , يبدأ الملك اولى خطوات العشرية الثالثة من حكمه المديد السعيد بإذن الله , ولاننا في هذا البلد الطيب نؤمن ايمان العجائز بالمستقبل , لذا نبدأ من حقول القمح وسنابله , فالبشائر الخضراء تمنحنا التفاؤل , لذلك دأبت امهاتنا على تخضير الطعام او تبييضه في اليوم الاول من رمضان شهر الخير والبركة والغفران , ونحن بقيادة الملك نبدأ العشرية الثالثة بخضار سهول الرمثا وحوران وببياض وجه الملك , رغم كل ظلال الحرائق الاقليمية وصعوبة اللحظة الاقليمية وتبعاتها على الاردن .
ليس التفاؤل بليدا او مجازفة , فهذه البقعة من الارض يسكنها خير اجناد الارض , ويحكمها نسل اشرف اهل الارض , ودقت على رأسها طبول كثيرة , وبقيت صامدة صابرة , وواصلت مسيرتها بوقار وصلابة , تستلهم من ارثها الصلب ما يشد أزرها وما يُقيم أودها بأقل القليل , وثمة عزيمة اردنية تنبت من بين الصخر , فتفلقه لتخرج الى العلن , تفاجىء الدنيا وتقلب ظهر المجن لصالحها , فالاردني مجبول على الصبر والرجولة وفي معادلة الوطن لا يعرف التراخي او المساومة .
مباغتة هي خطوة الملك , ونمط متجدد من الاحتفال بعيد ميلاده بين الناس في اقليم يخشى الحاكم فيه الخروج من غرفة نومه الى صالون منزله دون حذر ورقابة ومجسات مسبقة , لكنه الاردن , الذي يطوي الريح دون قلق – مع الاعتذار للمتنبي الذي قال : على قلق كأن الريح تحتي – بسواعد ابنائه ورمح قيادته , فكل عام والملك بالف خير , والاردن وشعبه وارضه وسماؤه بكل خير , فهذه السبع العجاف لن ولم تكسر ارادتنا , ومن السبع السمان سنبدأ العشرية الثالثة مع الملك وبه , ومع الجيش الصابر الصامد ومع الاجهزة الامنية التي صابرت ومع الفلاح الذي جابه الطقس وانحباس المطر ومع البدوي الذي جاس الصحراء بالبصيرة والبصر ومع المدني الذي آمن وصبر , وابن المخيم الذي ما زال على وعده مع العودة والظَفر .//
omarkallab@yahoo.com