بلال العبويني
يُلقي البعض باللائمة لضعف الإقبال على الاستثمار في المملكة على جملة من الأسباب منها ارتفاع كلفة العمالة المحلية بالمقارنة مع كلفتها لدى بعض الدول المحيطة.
وذلك صحيح، بالنسبة للمستثمر الذي يدرس الجدوى الاقتصادية لاستثماره من جميع النواحي ومن ثم يقيس أثرها على الربح الصافي الذي سيجنيه من مشروعه في نهاية كل عام.
غير أنها ليست مرتفعة بالنسبة للموظف والعامل الذي تآكل دخله نتيجة ارتفاع الرسوم والأسعار والضرائب حتى بات الغالبية يعجزون أو يكادون عن توفير مستلزمات العيش الأساسية.
العمل على جذب الاستثمار يحتاج إلى نظرة شمولية، ولا يكفي القول إن البيئات الآمنة هي بيئات جاذبة للاستثمار، والدليل أن المملكة واحدة من أكثر بيئات المنطقة أمانا واستقرارا غير أن الاستثمار ما زال محدودا وليس هناك ثمة إقبال كبير على استثمارات أجنبية خاصة جديدة، رغم الحوافز الشكلية التي تم إقرارها مؤخرا، مثل تلك المتعلقة بالجنسية والإقامة وغيرهما.
سعر الطاقة لدينا مرتفع جدا، والبيئة التشريعية ليست مستقرة فقوانين مثل الضريبة والاستثمار وغيرهما لا تكاد تُقر حتى يتم فتحها من جديد لإجراء بعض التعديلات، ما يجعل المستثمر غير قادر على وضع الخطط طويلة الأمد لتطوير مشاريعه أو لحساب عوائده ونسب التنمية المتوقعة مستقبلا.
هذا جانب، وثمة جوانب أخرى أكثر أهمية ومنها ما تعلق بالقدرة الشرائية للمواطن الأردني التي تراجعت كثيرا، وبالنظر إلى الاستثمارات الخاصة، على وجه التحديد، هي استهلاكية وتستهدف المستهلك المحلي.
وبما أن المستهلك المحلي عاجز عن تأمين حاجياته الأساسية ودفع الرسوم والضرائب، فمن المؤكد أنه سيكون عاجزا عن شراء السلع التي تنتجها تلك الاستثمارات، ولنا أن نذكر أمثلة على ذلك في قطاع الألبسة "الماركات" التي هاجر بعضها نتيجة ارتفاع الضرائب ورسوم الجمارك وأسعار الطاقة وضعف إقبال المستهلكين.
تشجيع الاستثمار، يجب أن يبدأ في تحسين الظروف المعيشية لدى المواطنين أولا، وذلك بتخفيض الرسوم والضرائب المباشرة عليهم حتى يتحرروا من الضائقة التي يعيشونها وحتى يصبحوا قادرين على تحريك الأسواق عندما ترتفع قدراتهم الشرائية.
إن إجراء من هذا النوع له أن ينعكس أيضا على استقرار أجور العمالة المحلية، وهو وما سينعكس قطعا على المستثمر الذي سيشعر بذلك على عوائده نهاية كل عام، وإلا فإن ضغط العمالة وشكواها واعتراضها على ضعف الراتب سيظل قائما ويشكل ضغطا على المستثمرين الذين سيكونون أمام خيارين، إما أن يتخذوا قرارا بزيادة أجور العمالة والموظفين، وهو ما سينعكس بالنهاية على نسبة الأرباح، وإما أن يبحثوا عن بيئات استثمارية جديدة تكون أكثر جدوى وربحية بالنسبة إليهم.
اليوم، ثمة مؤشرات متعلقة بالطاقة يجب أن تنعكس على المواطن والمستثمر، بعد الاتفاق مع العراق على أسعار تفضيلية للنفط وكذلك بالنسبة لمصر فيما يتعلق بالغاز، فضلا عما لدينا من مشاريع طاقة متجددة وطاقة كهرباء من الطاقة النووية التي لا بد أن ترى النور لتُساهم في خفض فاتورة الطاقة.
ارتفاع أجور العمالة المحلية، والشكوى أنها من عوائق جذب الاستثمار، لا شأن للمواطن بها، بل كل اللوم يجب أن يُلقى على الحكومات التي اتبعت نهج الجباية من أجل عوائد آنية وسريعة دون التخطيط الاستراتيجي البعيد، ما أثر على الاقتصاد الوطني الذي يئن اليوم، فيما نشهده من كساد الأسواق وتراجع السيولة والقدرة الشرائية لدى الغالبية.//