د. أيّوب أبو ديّة
تخلت شركة هيتاشي العملاقة عن عزمها بناء محطة نووية في شمالي ويلز ببريطانيا بمنطقة Wylfa بقدرة 3000 ميجاواط بعد شهرين فقط من تخلي العملاق الآخر طوشيبا عن بناء مفاعل نووي آخر في كمبريا Cumbria كان من المفترض تأمين 7% من كهرباء بريطانيا، وبخاصة إثر إعلان إفلاس شركة ويستنغهاوس العام المنصرم. وفيما كانت الشركة الكورية كيبكو Kepco تسعى لركوب الموجة تراجعت هي أيضاً بعد تغيير في نهج سياساتها الاستثمارية في قطاع المفاعلات النووية. وقد أدى هذا الانسحاب المزدوج إلى حدوث أزمة شاملة في خطط الطاقة في بريطانيا على الصعيد الوطني.
وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية بتاريخ 17/1/2019 أنه كان من المفترض أن يكون مشروع مفاعل ولفا Wylfa الثاني بعد هنكلي بوينت Hinkley Point C بتكلفة 16 مليار إسترليني، ولكن ارتفاع الأسعار في الصناعة النووية وتوفر مصادر طاقة متجددة أكثر أمناً وأكثر اقتصادية أدت إلى الابتعاد عن تمويل المشاريع النووية، بما في ذلك مشروع نووي آخر تخلت عنه هيتاشي وهو في أولدبري Oldbury بمقاطعة غلوتشستر وبقدرة 2700 ميجاواط. وبذلك فإنّ توقف المشاريع الثلاثة عن الإنشاء سوف يؤدي ذلك إلى فقدان 15% من كهرباء المملكة المتحدة.
إن قرار إعادة إحياء المشاريع النووية في بريطانيا أغرق الجزيرة في أزمة لا تقل أهمية عن أزمة البريكست Brexit، حيث يتوقع أن تشطب كافة المفاعلات البريطانية في غضون عشر سنوات قادمة (باستثناء مفاعل واحد) لأنها أصبحت قديمة ويجب شطبها. وتعتمد المملكة على الغاز من إنتاج نحو 40% من كهربائها، فيما تقتصر مساهمة النووي على نحو 19%، ولكن إنتاج الرياح في تزايد مستمر وبات قادراً على التعويض عن فشل المشاريع النووية.
ومهما يكن من أمر فإن العالم لا بد أن يتعلم من التجربة البريطانية التي كانت تسعى للاعتماد على الذات بعد الانفصال عن أوروبا، ولكن يبدو أن ما حدث على الصعيد النووي سيكون درساً قاسياً للجزيرة لإعادة الاتصال مع أوروبا. ولا شك أن فشل انطلاقة المشروع النووي في Wylfa سيكون أيضاً خبراً سعيداً لجمهورية ايرلندا لأنه يقع مقابلها تماماً عبر البحر الايرلندي، وبخاصة لأن ايرلندا عانت في الماضي من تلوث إشعاعي ناجم عن الموقع النووي البريطاني في سيلافيد حيث لوثت الإشعاعات أسماك البحر ووصلت شكوى ايرلندا إلى الأمم المتحدة؛ فالذي حل بالمفاعلات النووية البريطانية يذكرنا بالمثل المعروف: مصائب قوم عند قوم فوائد.//