بلال العبويني
ثمة قرارات عنيفة بحق المواطنين اتخذتها وتتخذها حكوماتنا، وتحديدا تلك المتعلقة بما يندرج تحت مفهوم "الجباية" من جيوب الأردنيين كزيادة الأسعار والرسوم والضرائب، والتراجع عن وعود سابقة كما في قصة إيصال الدعم لمستحقيه وما إلى ذلك من قرارات مشابهة.
من المفيد أن نسترجع بعض قرارات الحكومة السابقة عندما أعلن رئيسها أنه يشعر مع المواطن وأن ضريبة المبيعات لن ترتفع على سلع ذكر منها معلبات "البولابيف"، ليتراجع عن ذلك فيما بعد ويرفع ضريبة المبيعات على سلع غذائية من بينها "لحمة البولابيف".
إبان الترويج لقصة هدر الطحين وأن الحكومة تخسر من دعم الخبز الذي يذهب إلى غير المستحقين كالوافدين المتواجدين على أرض المملكة، كان الحديث الحكومي أولا أن الدعم سيكون للأردنيين دون الحديث عن مستحقين أو غير مستحقين ودون الحديث عن معايير لتخفيض عدد المستحقين للدعم أكثر.
في الحكومة السابقة ثمة تصريح كان يتحدث أن من يمتلك سيارتين لا يستحق دعم الخبز، وشكل هذا المعيار جدلا كبيرا لدى المواطنين الذين تساءلوا عن العدل في شخص يمتلك "بكبين" من نوع داتسون موديل السبعينيات لا يتجاوز سعرهما أربعة آلاف دينار ويستخدمهما لكسب الفتات من قوت يومه، مع آخر يمتلك سيارتين سعرهما يتعدى المائة ألف دينار.
هذا المعيار لم ينجح إبان الحكومة الماضية، لكن المستغرب أن الحكومة الحالية تتحدث عن ذات المعيار، وهي في ذلك تحاول إعادة تدوير "الرث" من القرارات، ليعود السؤال مرة أخرى عن العدل فيما تفكر به الحكومة من أجل تقليل عدد المستفيدين من دعم الخبز.
الحكومة السابقة وفي محاولتها طمأنة الناس أن دعم الخبز، أو حزمة الأمان أو التكافل الاجتماعي تم تضمينها في موازنة 2018، في إشارة إلى استمرارها، وحينها قلنا إن الدعم لن يستمر حتى وإن تم تضمينه في الموازنة، وعلى الرغم من أن حزمة الأمان الاجتماعي تم تضمينها في موازنة 2019، فإن الماثل أمامنا من اقتراحات لتقليل الفئة المستحقة للدعم بدأت تظهر للعيان باشتراط استثناء من يمتلك أكثر من سيارة أو عقارا.
بل إن الانقلاب على الاستمرار في تقديم دعم الخبز بدا واضحا من تأخر صرفه حتى اليوم، والحديث أن لا موعد لصرفه حتى الانتهاء من وضع المعايير، ما يعني أننا سنكون أمام عدد محدود ممن سيصلهم دعم الخبز هذا العام وقد يُلغى في العام المقبل أو الذي يليه.
الحكومات، بهذا المعنى تمارس عنفا ضد المواطن بتحميله بطرق مباشرة وغير مباشرة أكثر من طاقته، وفي استمرارها على ذات النهج الجبائي الذي درجت عليه الحكومات السابقة، وفي استخدامها ذات الأساليب التخديرية التي سرعان ما تنقلب عليها هي أو الحكومات التي تليها.
الأصل أن الأردنيين جميعا يستحقون دعم الخبز، وبغض النظر عن مستواهم الاجتماعي والمادي، وأن رفع الدعم عنه يكون على الوافدين أسوة بما هو متبع في بعض الدول، لكن هذا ما لا تريده الحكومات لدينا التي دائما ما تفكر بالطريق الأسهل والأسرع لتوفير الأموال للخزينة عبر جيوب المواطنين سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر أو بشكل تدريجي عبر إبر تخديرية مؤقتة.
المشكلة ليست في دعم الخبز فقط، بل بالنهج الجبائي الذي ملته الناس وما عادت تستسيغ حلو الكلام الذي لا يُطعم خبزا.//