طبقة المداخيل العليا واللامساواة
وليد حسني
حتى الامس لم اظفر بدراسة وافية حول المداخيل العليا في الأردن، حجمها وتوزيعها، وقيمتها الكلية ومدى تأثيرها في الاقتصاد وفي حركة السوق، والفروقات الباهظة بينها وبين المداخيل الدنيا ومدى تأثيرات تلك الفروقات الواسعة في النسق الإجتماعي الأردني.
نعرف الاف الحالات التي يتجاوز دخلها الشهري الاف الدنانير سواء من كان في الوظيفة العمومية او العاملين في القطاع الخاص سواء من كبار الموظفين والمستشارين او اصحاب الاعمال والتجار والصناعيين وغيرهم، وهذه الفئة لا تتجاوز 15 % وفقا لما قالته الناطق الاعلامي باسم الحكومة، وان 85 % من المواطنين لا يصنفون من ضمن الطبقة عالية الدخل.
هذا التصنيف الحكومي جاء في سياق حجم من سيخضعون لقانون ضريبة الدخل الجديد، مما يعني ووفقا للحسبة الحكومية فان نحو مليون ونصف مليون اردني فقط سيخضعون للضريبة من اصل نحو 10 مليون أردني هم عدد الأردنيين وفقا للتوقعات الاحصائية في نهاية 2018 .
وبحسبة هذه الارقام والمعطيات فان نسبة 15% التي تحدثت عنها الناطق الاعلامي صحيحة تماما وان نسبة 85% من الأردنيين تقل مداخيلهم عما يمكن تصنيفه بــ"المداخيل العليا "، مما يعني ان الطبقة المتوسطة التي ينوح الناس على اطلالها ماتت واختفت وتلاشت تماما ولم تبق غير طبقة اصحاب المداخيل العليا او فوق المتوسطة في أفضل الحالات.
هنا يعاني النسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الاردني من فجوة واسعة وممتدة، سيشكل خطرا حقيقيا على بنية المساواة الاجتماعية، بحيث يتحول النسيج الاجتماعي الى نسيج مختل تماما يخضع للامساواة الاجتماعية والاقتصادية مما سينعكس سلبا على بنية المجتمع وعلى مدى توفر العدالة الاجتماعية في ظل اتساع الفجوة بين المداخيل.
والأهم ان استمرار هذه الفجوة في المداخيل ستجعل من الصعب المحافظة في المدى البعيد على التوازن الاجتماعي وما تبقى من المساواة والعدالة الإجتماعية، وسنجد أصحاب طبقة المداخيل العليا ممسكة ومسيطرة على كامل الفرص الوظيفية والقيادية والانتاجية والتعليمية والصحية وغيرها ، مقابل اتساع مساحة طبقة الفقراء الذين لا يتمتعون بالامتيازات التي يتمتع بها عادة اصحاب المداخيل المرتفعة.
ان هذه المعطيات ستكون لها ارتدادات سلبية من الصعب التنبؤ تماما بشكلها ومضمونها، إلا أن النتيجة الحتمية هي ان نسبة اللامساواة سترتفع بشكل اوسع، خاصة إذا لم تنجح خطط الحكومة في فتح أسواق عمل جديدة للعاطلين عن العمل والتي تصل نسبتهم قرابة 18% من نسبة الفئات القادرة على العمل والتي لا تزال معطلة تماما وخارج حسابات السوق والانتاج ، وخارج حسابات مساهمتها في الدخل القومي، وما يمكن ان يعكسه ذلك على تلك الطبقة الواسعة التي تسكنها الطبقة الفقيرة تماما من بين سكان طبقة الــ 85 % التي قالت الوزيرة غنيمات عنها إنها لن تخضع لأحكام قانون ضريبة الدخل الجديد.
نحن نواجه اختلالا يتشكل سريعا في نظام المساواة والعدالة الاجتماعية يقوده بكل جرأة هذا الاختلال الذي يصنع الفجوة الهائلة بين طبقة المداخيل العليا، وطبقة المداخيل الفقيرة والمعدمة، وهو اختلال أكثر من خطر إذا استمرت سياساتنا المالية والاقتصادية على هذا النحو السيىء.//