وليد حسني
كتب الرجل من منخريه عما أسماهم"عبدة الأصنام في عمان"، تخيلته يضحك بملء شدقيه وهو يضع النقطة الأخيرة في مقاله الذي اتقن فيه النهش تماما وهو "يعض" كل أردني يحترم زعامات سياسية لها ما لها وعليها ما عليها على نحو الرئيس صدام حسين، والرئيس جمال عبد الناصر رحمهما الله، وكثرة كاثرة وقفت الى جانب سوريا في مواجهة التحشيد الأممي والعربي على قتل دمشق واغتيالها.
الكاتب من منخريه اعتبر كل من احترم صدام وعبد الناصر عبدة اصنام، لكنه لم يقل لنا ذاك الكاتب المتأدب ــ رعاه الله ــ ما إن كان هؤلاء الزعماء اصنام من تمر أم عجين ، أم من لفائف دولارية، ام حتى من قطعة كيك لذيذه يمكن تناولها على استحياء في غرفة مغلقة.
ولست أدري وقد قرأت ما خطه منخرا الرجل عن الصنمية والأصنام ما الذي يريد قوله غير انه يفيض مما امتلأ به داخله من تهكم على الأردنيين الذين لم يرى فيهم غير وثنية تتعبد للأشخاص، فيما هو يبدو الأكثر ايمانا ويقينا من كل الأردنيين.
والكاتب "من منخريه" بدا ملتاعا الى حد الفجيعة لأن من يحترمون الراحلين كصدام وعبد الناصر، او حتى المؤمنين بسوريا الموحدة لم يقولوا لأحبابهم في بغداد والقاهرة ودمشق ما يقولونه في عمان عن رغبتهم بحرية أوسع، وبديمقراطية أشمل، فهو ــ أبقاه الله ــ يأخذ على الأردنيين انهم يقولون في عمان ما لا يجرؤوا على قوله في تلك العواصم.
ويرى ــ ابقاه الله ــ ان السبب في ذلك ان الأردنيين هؤلاء يعبدون اصناما لا يملكون معها خطابا، ويعانون من الجبن امام "آلهتهم " الصدامية والناصرية والأسدية، إلا أنهم في عمان أكثر جرأة في مطالبهم.
خطاب الرجل بدا وكأنه خطاب القادم من ازمات الخمسينيات والستينيات والتسعينيات، خطابا ضحلا وموجها ومكشوفا وعاريا تماما، يتمثل حالة الاستقطابات والذرائع السياسية غير البريئة، إلا أنه وقع في المحظور، فألحق الأول بالتالي ، ولم يترك لأحد الإختيار بين ان يكون سياسيا حرا بفكره وبين ان يكون عابد صنم وفقا لنظرته ومسطرته.
الاردنيون الذين لا يزالون يحترمون حتى اليوم صدام حسين وجمال عبد الناصر ليسوا عبدة اصنام، ولا اظنهم يرتضون لهم مثل هذا التوصيف، والأردنيون هؤلاء حين يلجون في مطالبهم بتحسين معطيات ديمقراطيتهم إنما يؤمنون تماما بان حقهم في هذه المطالب حقا محمودا لا مساومة عليه أبدا، كما ان بلدهم يسمح لهم بهذه اللجاجة، إلا أن الرجل الذي كتب بمنخريه يعارض ذلك ويرفضه.
الرجل الذي اخرج اصابع يديه من منخريه ليحرض على طبقة عريضة من السياسيين الأردنيين ويعتبرهم مجرد"عبدة أصنام " لم يتمتع بتلك الجرأة ليقول لنا
ان الصنمية التي تحدث عنها الرجل لا تتجزأ وعليه هو أيضا أن يقول لنا كيف يأكل تمثال تمره آخر الليل حتى تستوي المقاييس، وتتوازى الأمثال والرؤى، إلا إذا كانت أصنامه متعددة لا يستطيع لها حصرا أو عدا...