بلال العبويني
أعتقد أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يكن مستبعدا، فمن تتبع تصريحاته منذ حملته الانتخابية وما بعدها يدرك أنه كان يخطط لذلك، تحديدا عندما قال إنه ليس من وظيفة الولايات المتحدة تغيير الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط وكان يشير في حديثه ذلك إلى سوريا.
شخصية الرئيس الأمريكي واضحة، فهو يفكر بعقلية التاجر من حيث الربح والخسارة، وكان قد قال أيضا أن على من يتمتع بالحماية الأمريكية في منطقتنا عليه أن يدفع مقابل ذلك.
بالتالي، فإن الوجود الأمركي اليوم في سوريا مكلف تحديدا أن اليد الطولى لم تكن للولايات المتحدة في سوريا بل كانت وما زالت لروسيا الحليف الأوثق لسوريا والتي لعبت دورا بارزا في ما آلت إليه الأوضاع في سوريا منذ تدخلها المباشر عسكريا وسياسيا في العام 2014 حتى اليوم.
على كل، إن الإنسحاب الأمريكي سيصب بلا أدنى شك في صالح الدولة السورية، وفي الواقع أن انسحاب أي دولة من سوريا حتى الحلفاء بعد استقرار الأوضاع العسكرية والأمنية والسياسية سيصب في صالح الدولة وفي صالح قرارها المستقل وحريتها الكاملة على أرضها.غير أن الانسحاب يمكن أن يكون له تداعيات على المكون الكردي في أقصى شمال وشرق سوريا وهم الذين كانوا ضمن حلف وثيق مع الولايات المتحدة للقضاء على داعش وكانت الولايات المتحدة الحامي لهم من الخطر التركي.
الأكراد في شمال وشرق سوريا سيكونون أمام خيار وحيد خلال الفترة المقبلة، وهو الاقتراب أكثر من الدولة السورية وقواتها الحكومية في حلف وثيق عله يكون منجيا لهم من القبضة التركية، وفي ذلك ستكون الدولة السورية قد كسبت حليفا وثيقا كخط دفاع أول ضد الأتراك.
فالأكراد في المحصلة هم أكثر الخاسرين من الانسحاب الأمريكي، بالإضافة إلى الإنسان السوري إذا ما وقعت الحرب التركية الكردية على الأرض السورية، غير أن الراجح أن الإدارة الأمريكية ربما تكون قد اخذت من الأتراك تعهدات بعدم شن حرب على الأكراد، في وقت قدمت فيه لهم تضمينات بعدم السماح للأكراد بالمضي قدما في إنشاء كيانهم المستقل.
ثمة من يرى أن الاحتلال الإسرائيلي سيكون خاسرا من الإنسحاب الأمريكي لأنه سيفتح الباب أمام إيران لتوسيع نفوذها في الأراضي التي تنسحب منها القوات الأمريكية وتحديدا المناطق المتاخمة للحدود العراقية.
وفي الواقع هذه قراءة ليست دقيقة، ذلك أن القوات الروسية ستتولى الأمر من ناحية تحجيم الدور الإيراني في سوريا، وعدم السماح لها بالتمدد أكثر، باعتبار أن روسيا على علاقة جيدة مع مختلف الأطراف ولها كما قلنا اليد الطولى في الملف السوري، هذا من جانب.
ومن آخر، فإن خروج القوات الأمريكية من سوريا لا يعني أنها خرجت من المنطقة، فالقوات الأمريكية موجودة بالعراق وموجودة في قواعدها بالخليج العربي وفي البحر المتوسط، ومن السهولة بمكان أن تصل التعزيزات العسكرية والأسلحة عن بعد في حال تعرضت حليفتها الأوثق في المنطقة "إسرائيل" لأي خطر.//