م. هاشم نايل المجالي
كلنا يعلم ان هناك طريقتين للحوار الفكري فهناك طريقة المواجهة بالعنف والتي تعتمد على مواجهة الخصم بأشد الكلمات والاساليب واقساها حيث يركز المحاور على كل ما يساهم في ايلام واهانة واهدار كرامة الطرف الاخر دون مراعاة لمشاعره والاحاطة في ظروف عمله ودون المحافظة على الانسجام الحواري ، وهذا الاسلوب لا ينتج عنه الا مزيد من العداوة والبغضاء والبعد عن كل الاجواء التي تقرب الافكار الايجابية والتي تساهم في الوصول الى نتائج ايجابية .
وبالمقابل هناك طريق الحوار الهادف بدون عنف وهي طريقة سلمية تعتمد تلاقح الافكار للوصول الى نتائج ترضي الطرفين وهي وسيلة من وسائل الحركة المنفتحة للوصول الى الاهداف المرجوة بعيداً عن المعاني الشريرة ، قال تعالى :
( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت .
والحسنة تعبر عن الاسلوب السلمي بالحوار ، بينما تعبر السيئة عن الاسلوب العنفي اذن الجدال والحوار بالتي هي احسن يتمثل باتباع افضل الاساليب والطرق وافضل اللغات اللفظية لاقناع الطرف الآخر بالفكرة المراد ايصالها ، والمعرفة تجعل كلا من المتحاورين اكثر وعياً لما يطرح ولما يستقبل من فكر ومواضيع ، وكيفية الخوض بالموضوع والانتهاء منه في وضوح للرؤية وهدوء الفكر وقوة الحجة ووداعة الكلمة .
كلنا يجد ان كثيراً من لغات الحوار سواء كان ذلك في العديد من وسائل الاعلام او الندوات وغيرها قد تدنت وخلت من الافكار التي من شأنها ان تعظم من ذلك الحوار بل وصل البعض فيها الى الشتائم والعنف اللفظي يهدف الى تصعيد الأمور والتحريض اكثر منه الى العقلانية او السلمية ، وهذا حوار لا يحقق الديمقراطية خاصة بين النخب السياسية والتي اصبحت تقدم الشتائم بطرق مبطنة ومختلفة بدلاً من الافكار التي تعطي حلولاً للازمات وحتى نبتعد عن السفه الاعلامي والمؤامرات التحتية .
ولم تعد المجالس المختلفة تفيد الحكومة في شيء سوى اما الرفض او القبول او النقد او المدح بعيداً عن الافكار التطويرية للقوانين والمشاريع ، بل اصبحت المجالس حلبات للمصارعة اللفظية والعنف واللغة المتدنية بعيداً عن الثقافة للغة الحوار الديمقراطي .
فنحن بحاجة الى انقلاب على الثقافة والمفاهيم التي وصلت اليها ، حيث ان البعض يجب ان يخضع الى اعادة تأهيل كي يتعلم كيف يتصرف وكيفية لغة الحوار عند الاختلاف مع الاخرين ، وليس توجيه الشتائم او الانقاص من الاخرين .
كذلك اهمية توليد وطرح الافكار الايجابية والتعلم من افكار الاخرين ، وكلنا يعلم ان الانسان كلما ازداد بالشتائم والاسلوب الحواري الغير عقلاني كلما كان ابعد عن الموضوعية ، ويصبح كلامه غير مؤثر ولا يعطي قيمة ومعنى حقيقيا ، وعلى العكس نجد الانسان في حواره كلما ابتعد عن الشتائم كلما كان اكثر موضوعية وعقلانية ويكون لكلامه مصداقية اكثر واصغاء من قبل الناس .
لقد شاهدنا لقاءات كثيرة على القنوات الفضائية ولقاءات دولة رئيس الوزراء مع الكثير من النخب لكن في الغالب لم نجد ان هناك حواراً بناء مقنعاً مبني على اساس من الطروحات الفكرية تقدم حلولاً للمشكلات ، فقط شاهدنا طرفاً يريد ان ينقد طرفاً آخر بوابل من الانتقادات وجلد الذات مع سوء باختيار الالفاظ والاتكال على الاسلوب التهجمي ، فهو لقاء لفش الغل لجذب التعاطف الشعبي بدل ان يكون المتحاور يسوق افكاراً وادلة بعناية ودراسة تعطي حلولاً وان نكون متجاوزين بقدر الامكان من مكنونات الصدور الى الحقائق والدراسات الدقيقة حتى نكسب الموقف بكل مصداقية والمصيبة الاكبر عندما يطلق العنان للحديث لمن لا يحس ولا يشعر بأنين الفقير او العاطل عن العمل بل يسوغ الكلام كيفما يراه ليجذب اليه متعاطفين معه .
ان الفقير لغته لغة المحتاج وأماكن تواجده معروفة للجميع والعاطل عن العمل لغته لغة طلب العون والمساعدة لايجاد فرصة عمل وليس الهجومية والصدامية كما وأن الحوار الهادف يدل على مستوى المحاور في طرحه مع الجهات الرسمية حتى لو كان ذلك بالتعبير بالطرق السلمية فهو يريد ان يوصل رسالة ولا يريد ان يدخل في صدامات مع الجهات الامنية خاصة اذا كان هناك مندسون يستثمرون مثل هذه الوقفات الاحتجاجية ويتلاعبون بالاعلام على مواقع التواصل الاجتماعي بفبركة المحترفين لغايات التصعيد .
والقرآن الكريم يعلمنا ان طريق الحوار هو اسلم طريق لبلوغ كلمة الحق وهو اكثر الاساليب ايجابية في التعامل مع الآخر ومن باب احترام الانسانية والشخصية واحقاق القناعة بالدلالة والبرهان لان كثيراً من المحاورين المنفعلين يواجهون التواءات بالنفس البشرية واستكبارها وحرصها على شهواتها ، وتغلبنا الانفعالات ونسيء للطرف الاخر حيث الطعن في النوايا والدوافع .
لذلك بدل ان ننهي الحوار بنتائج ايجابية ويحفظ للجميع كرامتها وابقاء باب الحوار مفتوحاً لتلقي الافكار الايجابية وتحديد نقاط الضعف ومكامن الخلل بفكر المسؤولية المشتركة للحرص على هذا الوطن وفي كل المواقف والازمات .
كذلك بالحوار يتم تحريك الفكر الجامد المتحجر وتغير المواقف والبعد عن المؤثرات الجانبية والمزاج المتعصب التي لا تقود الى الطريق الصحيح او الوصول الى الحلول او الحقيقة ، والحوارات التي تبدأ بمناقشة نقاط الاختلاف والتوتر او ما يسمى بالنقاط الحادة والساخنة هي حوارات تكتب على نفسها الفشل سلفاً .
فعلينا ان لا نسقط الحوار باثارة مشاعر محاورك في نقاط الاختلاف وانما يجب التأكيد على نقاط الالتقاء او ما يسمى بالارضية المشتركة ، حتى تمهد الطريق لحوارات موضوعية منطقية ناجحة ، فالقلوب تتشتت بسبب الجدل الذي لا طائل منه ولا فائدة من ورائه والذي يهدف الى اظهار الخلل في كلامه فقط دون حلول .//
hashemmajali_56@yahoo.com