لا تغتالوا الصحف والصحافيين
بلال العبويني
ما تسعى إليه الحكومة عبر إعادة تعديل المادة المتعلقة بنشر الإعلان القضائي في الصحف لصالح تركيزه باثنتين من ثلاث صحف فقط، ينذر بكارثة كبرى، ويشكل اغتيالا مقوننا مع سبق الإصرار لصحف أخرى موجودة في السوق منذ قرابة الـ 15 عاما.
الكارثة ستنعكس أولا وأخير على العاملين بتلك الصحف من صحافيين وفنيين وغيرهم الذين باتوا يعيشون على حافة الموت بعد أن تكالبت عليهم الهموم بسبب غلاء المعيشة نتيجة للتطاول الحكومي الدائم والمتواصل على جيوب الأردنيين للتغطية على فشلها في إيجاد حلول للواقع الاقتصادي المتردي الناتج عن سوء الإدارة والفساد.
أرقام الفقر والبطالة في ازدياد مضطرد، وما من خطط حكومية جادة لحل هاتين الأزمتين اللتين تنذران بانفجار ليس بمقدور أحد التنبؤ بنتائجه، بل إن الممارسات الحكومية وسياساتها تدفع إلى مزيد من الإفقار وإلى مزيد من المتعطلين قسرا عن العمل نتيجة لتلك السياسات التي تفتقر للعدالة وتتناقض تماما مع قواعد السوق وحق التنافس بين الشركات عندما تميز بعضا منها على الأخرى.
الصحف الورقية قطاع مهم، وأثبتت التجارب الماضية أنه الأكثر التزاما بقواعد المهنة وأخلاقياتها، والقطاع الإعلامي الأكثر قدرة على حمل رسالة الدولة وتسويقها، وأنه المنبع الأول والحقيقي للمحتوى الذي ينتشر عبر مختلف وسائل الإعلام من فضائية وإذاعية وإلكترونية.
والصحف الورقية تعاني من ارتفاع تكاليف الانتاج، وهي تتحملها اليوم لوحدها رغم ما تقوم به من واجب وطني كبير بعد أن تم إغلاق الحلول في وجهها كتخفيض الرسوم المفروضة على مدخلات الانتاج.
بعض الصحف اليوم مهددة بالإغلاق والموت بعد أن تم التآمر عليها بمنع الماء والهواء عنها وسن قانون يمنع نشر الإعلان القضائي عبر صفحاتها وهو الإعلان الذي كان بالكاد يمدها بالأكسجين لتبقى على قيد الحياة لتدفع منه كلف الانتاج ورواتب العاملين.
المادة القانونية ستكون معروضة على مجلس النواب لإجراء لإقرار التعديلات التي أدخلتها الحكومة عليها بنشر الإعلان في صحيفتين من ثلاث صحف فقط، وهنا لا بد أن يقف النواب موقفا وطنيا يدافعون فيه عن قوت المواطنين ومنع دفع المزيد منهم إلى أرصفة البطالة بإجراء التعديل اللازم على القانون بما يسمح بانسياب الإعلان القضائي إلى كافة الصحف إحقاقا للعدالة وترك الباب واسعا لقواعد التنافس المشروعة بين الشركات وترك هامش للحرية للمعلن يختار فيها الصحف التي يريدها لنشر إعلانه.
ما تخطط إليه الحكومة، خطير جدا على مستقبل مؤسسات إعلامية مازالت تكافح لإثبات وجودها، وما زالت تقاوم كل الضغوط للبقاء على قيد الحياة والارتقاء بالمحتوى الإعلامي والحفاظ على الخط الوطني الذي يحمل رسالة الدولة بكل جدية والتزام، وهو أولا وأخير غير عادل ولا يستقيم مع أبسط الحقوق في المنافسة التي يجب أن تظل مكفولة للشركات.
وزير الدولة للشؤون الإعلام، زميلة مارست العمل الصحفي الورقي طويلا، وتعلم هموم الصحافة والصحافيين، وعليها واجب بالدفاع عن قوت زملائها وعدم الدفع بهم إلى الشارع، لذلك ننتظر منها موقفا يترك هامشا للصحف لكي تبقى ولو على الحد الأدنى للحياة، ولا تكون جزءا من مخطط اغتيال الصحف والصحافيين.//