وليد حسني
لا يمكن لأحد منا إنكار الضغط الشعبي على السلطتين التشريعية والتنفيذية لالغاء تعديلات قانون الجرائم الالكترونية الذي يبدو انه قد آتى أكله بتصريح واضح لا لبس فيه لوزيرة الدولة لشؤون الاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة جمانة غنيمات التي قالت أمس ان الحكومة ستسحب مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الالكترونية أحد أبرز المطالب الشعبية التي تبلورت جنبا الى جنب مع مطلب الغاء تعديلات قانون ضريبة الدخل، وتغيير النهج السياسي في تشكيل الحكومات ورحيل الحكومة ومجلس النواب معا.
ولا أظن ان الحكومة فاتها تماما الاعلان عن ان سحب القانون يجيء استجابة لمطالب الناس، فهي أخوف ما تكون من مثل هذا الاعلان في حال تم التصريح به، ولذلك جاء سحب القانون كهدية حكومية مجزية ومجانية لمجلس النواب الذي اعلن ومن خلال رئيسه المهندس عاطف الطراونه عن طلبه من الحكومة سحب مشروع القانون واعادة النظر في تعديلاته.
الحكومة هنا اصطادت عصفورين بحجر واحد وربما ان هذا الصيد يكفيها في مرحلة تكتيك التعامل مع المحتجين الذين عادوا للدوار الرابع وهم يهتفون بكل حناجرهم ضد الحكومة وضد القانون وضد مجلس النواب.
وبترتيب ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية اعلن رئيس المجلس عن دعوته المباشرة للحكومة لسحب القانون، لتتلقف الحكومة بدورها هذه الدعوة وتعلن موافقتها على سحب المشروع الذي كان حتى الاسبوع الماضي من المستحيلات السبعة النائمة في عقل الرئيس د. عمر الرزاز الذي اعلن سابقا وبكل ثقة انه لن يسحب مشروع القانون بعد ان سحب قانون ضمان حق الحصول على المعلومات.
اليوم الحكومة تهدي مجلس النواب موقفا يبدو وكأنه عربون محبة ووئام ارادت منه ايضا ان تقول للمواطنين انها تسحب هذا القانون المخيف والمرعب بطلب وبضغط من مجلس النواب الذي تطالبون بحله.
ثمة تنسيق بين السلطتين والرئيسين الطراونه والرزاز سبق الاعلان عن نية الحكومة سحب مشروع القانون المعدل، وتم اخراج التنسيق ضمن هذا السياق الذي تابعه المهتمون، فيما كانت لا تزال تصريحات رئيس مجلس الاعيان فيصل الفايز قبل يومين تتحدث عن استحالة سحب القانون، بما يعني ضمنا ان لا تنسيق بين الرئيسين الرزاز والفايز في هذا الجانب، او أن التنسيق كان سريعا مع مجلس النواب.
لقد قلت في وقت مبكر جدا أن هذا القانون يكاد يكون اكثر خطرا على الناس من قانون ضريبة الدخل، خاصة في ظل توافر بيئة عدائية واضحة في السلطة التشريعية"الأعيان والنواب " ستسمح بتمرير القانون بكل سهولة ويسر، مما سيسقط بيد كل من يراهن على المجلسين لتهذيب القانون وترشيقه وجعله اكثر رحمة وحنانا مما هو عليه الان.
ان تعريف خطاب الكراهية الذي استوردته الحكومة نصا من المادة 150 من قانون العقوبات لا يستقيم مع المفهوم الاممي الرضيع لخطاب الكراهية الذي لم يتم اي توافق على تحديد أطره ومفاهيمه حتى الان، وإن كانت ثمة مسطرة يمكن من خلالها قياسه وتأطيره إن كان ما ينشره أحد ما خطاب كراهية أم هو حرية رأي وتعبير، على نحو ما ورد في مباديء "كامدن"، او في خطة الرباط.
إن شعرة معاوية المعروفة تراثيا هي التي تفصل بين خطاب الراي والتعبير وبين خطاب الكراهية، ومن هنا يبدو من الصعوبة بمكان حتى لأعتى القضاة التفريق الجازم بين الخطابين إلا ضمن مسطرة يمكن اعتمادها كوحدة قياس لوضع الخط الأحمر بين خطابي الرأي والتعبير والكراهية.
ان الحديث في هذا الحقل ذو شجون، وعندما وضعت كتابي"إني اكرهك.. خطاب الكراهية والطائفية في إعلام الربيع العربي" الصادر عن مركز حماية وحرية الصحفيين في شهر ايار سنة 2014 كانت الأزمة لا تزال في بداياتها وتوقعت تماما ما نحن فيه اليوم، ومن ضمن التوصيات العشرين التي خلصت اليها في نهاية الكتاب كنت أكثر انحيازا لإشاعة حقوق الانسان وعبر كامل النوافذ الاجتماعية بدءا بالمدرسة وانتهاءا بالدولة والحكومة والقضاة والمحامين والاعلاميين ووسائل الاعلام المختلفة.
نحن بحاجة لوضع وصفة علاجية أكثر نجاعة مما ورد في تعديلات قانون الجرائم الالكترونية، ولا أجافي موقفي الشخصي أبدا وهو ما عبرت عنه في كتابي حين طالبت بوضع تشريعات واضحة لمعاقبة من يشيع خطاب الكراهية والتحريض بكل أشكاله، ولكن ليست بتلك الصورة التي خرج بها معدل القانون..
وأحيل الى كتابي الذي اشر اليه سابقا فقد قلت فيه ان خطاب الكراهية لا يظهر في وسائل الاعلام إلا بقدر لا يكاد يذكر وان البيئة الحاضنة والمنتجة له تكمن في وسائل التواصل الاجتماعي لأسباب عديدة لا يمكن حصرها في هذه العجالة..