مرة محل كان عامل تنزيلات على البدلات.. ولأنه لم يتبق سوى أربع بدلات اشتريت البدلة بسعر البيجاما، تصادف بعد أسبوع عرس صديقنا عماد البرغي.. فقلنا فرصة نلبس البدلة الجديدة، أوّل ما شاهدتها أمي عليّ قالت: والله يمه إنك شخصية.. وحين ذهبت الى العرس الجميع أيضا أجمع أنني شخصية بهالبدلة، حتى العريس البرغي حينما وصل للسلام علينا قال لي: أهلا عطوفة المحافظ.. فهو لم يعرفني بالبدلة الجديدة، وفي تلك الحفلة تم تضييفي كنافة ثلاث مرات لأنهم اعتقدوا أنني عقيد بالبحث الجنائي!
نعم كل من شاهدني في ذلك اليوم حلف أنني شخصية، ومع قرب إقرار قانون الجرائم الألكترونية الذي يمنع اغتيال الشخصيات.. أوّد التذكير أنه في احدى المرات وضعت صورة لي وأحدهم علق على الصورة أنني شبه بوري الصوبة، ومرة كتبت بوست انتقادي فكتب أحدهم معلقا: فعلا أنك (سقع).. ولا أنسى أنني أيضا كتبت خاطرة قصيرة عن المطر فما كان من جارنا الا أن علق كاتبا (ما برد وجهك) وعشرون صديقا وضعوا لايك على تعليقه.
لازلت أملك البدلة والربطة والجرابات ولا أدري إن كانت الدولة ستعتبرني شخصية من شخصيات الوطن وسيتم اعتقال كل هؤلاء بتهمة اغتيال شخصيتي خصوصا من شبهني ببوري الصوبة؟!
القانون الذي سيحاسب على اغتيال الشخصيات لم يعرف من هم تلك الشخصيات، هل كل من لبس بدلة جديدة شخصية، ام كل من لديه سيارة حديثة شخصية، ام تقصد الشخصيات الوطنية التي تولت المواقع العامة.
إن كانت تستثنيني ولا تعتبرني شخصية وطنية ولن تحاسب من اغتال شخصيتي، فهل تعتبر رئيس الوزراء الذي لبّس الدولة مديونية بعشرات المليارات شخصية وطنية لا يجوز اغتيالها، عشرة مليارات ولا يجوز أن ننتقده أو نغتاله.. وأنا علي عشرة دنانير لصاحب الدكانة ولم يترك أحدا من سكان الكرة الأرضية إلا وفضحني أمامه.. حتى أنه اغتال شخصيتي أمام أنسبائي وقال لهم: أنني نتن، ومع ذلك لازلت أعتقد أن له الحق في اغتيال شخصيتي طالما لم أسدد العشرة دنانير، بينما أنتم متى سددتم العشرة مليارات أعدمونا أن اغتلنا شخصياتكم الوطنية!
واضح من تردي البنية التحتية أن كل ما رشرت الدنيا سيسقط مزيد من الأبرياء، ومع ذلك كل من جلس على كرسي المسؤولية وأنشأ تلك الجسور والعبارات والطرق المتهالكة يعتبر شخصية وطنية لا يحق لنا اغتيالها.
نعم ليثبتوا لنا فعلا أنهم شخصيات وطنية وقبل كل منخفض ليجلس كل منهم تحت الجسر أو فوق العبارة أو على الطريق التي أنشئت بعهده، إن عاد سالما الى أهله، فإننا نطالب ليس فقط بسجن من يغتال شخصيتهم بل بتغطيسهم في البحر الميت!
كيف أعتبر أحدهم شخصية وطنية وهو لم يترك لا عم ولا خال ولا نسيب الا وعينه في أجهزة الدولة، أين الوطنية في شخصية هذا المسؤول التي يمنع القانون اغتيالها، وإنجازاته محصورة في دفتر العائلة!
شركات وطنية بيعت بسعر أرخص من مزرعة دجاج.. ومع ذلك علينا أن نعتبر من باع شخصية وطنية لا يجوز اغتيالها.. مع أن الأوطان في مفاهيم الوطنية والولاء والانتماء ليس لها أثمان!
عرفوا لنا ماهي الشخصية الوطنية قبل أن يطلب منا عدم اغتيالها.. فعجزنا ومديونيتنا وترهلنا وفقرنا وبطالتنا لا تدل على وجود أي شخصيات وطنية خدمت بإخلاص يمكن أن تغتال!