حسين الجغبير
في حادثة هي الثانية من نوعها خلال ثلاثة أيام، توجه أحد الأشخاص إلى بنك يقع في منطقة الوحدات، حاملا معه أفكارا إجرامية مخالفة للقانون، وسار بهدوء نحو الباب الزجاجي الأمامي، فتحه، وتوجه إلى داخل البنك مشهرا سلاحه بوجه الموظفين، ليغادر مسرعا وبحوزته عشرات الألوف من الدنانير.
مشهد، كنا لا نراه إلا في الأفلام، وطالما استمتعنا بالخطط التي يضعها اللصوص، وأعجبتنا الأفكار الخلاقة التي يبتكرونها لاقتحام المصارف المالية، إذ كنا نتمسمر أمام شاشة التلفاز لنشاهد كيفية تطبيق الخطة، ومدى نجاحها، ولا نخفي حقيقة تعاطفنا مع اللصوص ورغبتنا الداخلية في نجاح خطتهم الإجرامية، ومشاهدتهم يغادرون هذه المصارف وبحوزتهم أكياس مليئة بالدولارات.
بيد أن صناعة الأفلام تحولت إلى واقع في الأردن، فباتت هذه المصارف هدفا مباشرا للراغبين بالحصول على أموال، بغض النظر عن دوافعهم، سواء كانت دوافع اجرامية، أو الحاجة إلى المال في ضوء أزمات اقتصادية يمر بها المواطن نتيجة القرارات المتسارعة للحكومة والتي أدت إلى ارتفاعات مهولة في الأسعار فيما دخول المواطنين تتآكل، مع تزايد التزاماتهم.
لكن ما يلفت الانتباه في هذا المقام، أن تعاطفنا مع أبطال الأفلام أثناء محاولة سرقتهم المال، تحولت إلى واقع، وهنا تتشكل الخطورة الكبيرة، إذ لوحظ من خلال مناقشات المواطنين فيما بينهم، أو عبر نشرهم آراءهم على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك تعاطفا واضحا مع اللصوص، مرده الحالة الاقتصادية التي يعيشها الأردني.
ما نلمسه من رغبة لدى الشارع الأردني بأن ينجو اللص من فعلته، والنكات التي أطلقها الناشطون على "فيس بوك" تعليقا على الحادثة، تدق ناقوس الخطر أمنيا، فتبرير المواطن لما يحدث أنه نتيجة لسياسة الحكومة، يتطلب إعادة قراءة الأوراق من جديد، لأن هناك تخوفات من تحول هذا التعاطف إلى فعل من الممكن أن يقدم عليه أي شخص، لأنه بات مؤمنا بأن طريقه الوحيد لإطعام إسرته، هو الاعتداء على أموال الغير.
لم يكن الشارع الأردني في يوم من الأيام، عاطفيا تجاه المجرمين، كما لم يكن في يوم من الأيام باحثا عن تبريرات لأي جرم يرتكب، حيث كان متطرفا تجاه هؤلاء، لا يقبل السلوك الخاطئ.
عندما يتنازع القلب والعقل، بين متعاطف ورافض لما يحدث، فإن الخوف أن تكون الغلبة للأول على الثاني، لأنه عندها ستصبح شريعة الغاب هي التي تتحكم بسلوك المواطنين، وتقودهم نحو مزيد من الإجرام، بكافة أشكاله.
الأزمة في اعتقادي في بدايتها، ولا تحتاج إلى مزيد من التفكير، فعلى الدولة بكافة مؤسساتها أن تسارع إلى تشخيصها دون إبطاء، ووضع الحلول اللازمة لتفادي تطورها إلى أبعد من ذلك.//