البث المباشر
شي وماكرون يلتقيان الصحافة بشكل مشترك "مساواة" تطلق رؤية رقمية لتمكين الحرفيات العربيات من قلب المغرب غرف الصناعة تهنىء بفوز "الصناعة والتجارة والتموين" بجائزة أفضل وزارة عربية المنطقة العسكرية الشمالية تحبط محاولة تسلل على إحدى واجهاتها الحدودية المنطقة العسكرية الجنوبية تحبط محاولة تهريب مواد مخدرة بواسطة طائرة مسيرة الجيش يطبق قواعد الاشتباك ويُحبط محاولة تسلل ندوة في اتحاد الكتّاب الأردنيين تعاين ظاهرة العنف ضد المرأة وتطرح رؤى وسياسات جديدة لحمايتها بيان صادر عن المؤسسة العامة للغذاء والدواء الأرصاد تحذر: تقلبات في الطقس نهاية الأسبوع.. التفاصيل استقرار أسعار الذهب عالميا أجواء لطيفة اليوم وغير مستقرة غدا مؤتمر قادة الشرطة والأمن العرب يدعو إلى تحديث تشريعات مكافحة المخدرات التصنيعية الفيصلي يفوز على الرمثا ويبتعد بصدارة الدرع جريدة الأنباط … ذاكرة وطن وصوت الحقيقة الأرصاد العالمية: العام الماضي كان الأكثر حرارة على الإطلاق في الوطن العربي الاتحاد الأردني للكراتيه يكرّم المهندس أمجد عطية تقديرًا لدعم شركة محمد حسين عطية وشركاه لمسيرة اللعبة جنوب إفريقيا تنظم فعالية للترويج للمجلد الخامس من كتاب "شي جين بينغ: حوكمة الصين" العيسوي ينقل تمنيات الملك وولي العهد للنائب الخلايلة والمهندس الطراونة بالشفاء الشواربة يتسلم جائزة أفضل مدير بلدية في المدن العربية ضمن جائزة التميز الحكومي العربي 2025 شركة زين تطلق دليل إمكانية الوصول الشامل لتهيئة مبانيها ومرافقها للأشخاص ذوي الإعاقة

"خرافة الجماعة: كيف تصنع الأكاذيب حقائق لا تموت؟"

خرافة الجماعة كيف تصنع الأكاذيب حقائق لا تموت
الأنباط - عمّار محمد الرجوب


كلما تأملت في واقعنا، وكلما استحضرت بريق التاريخ، أدركت أن الإنسان لا يعيش في العالم الذي يراه فقط، بل في العالم الذي يصدقه. وكم من أكذوبة تحولت في الوعي الجمعي إلى حقيقة لا تقبل النقاش! إننا نعيش في وسط تكرار مستمر للقصص، التي تصبح مع مرور الزمن واقعًا حيًا في كل عقل، وتصبح الأخطاء كأنها حقائق مسلم بها. من هذا المنطلق، يصير السؤال الحتمي: كيف تتحول الأكاذيب إلى حقائق اجتماعية لا تموت؟
يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: "الإنسان هو ما يعتقد أنه هو." والإنسان حين يعتقد أن هناك حقائق ثابتة، فإنه يُحب أن يتشبث بها، ليشعر بالاطمئنان. وإن الواقع المعاش يتشكل بأفكار الجماعة، والأفراد غالبًا ما ينصاعون لما تطرحه أغلب الأصوات، تاركين عقولهم تلهث وراء الراحة النفسية التي تأتي مع القبول الأعمى.
لكن هل هذا هو الطريق إلى المعرفة الحقيقية؟ ألسنا جزءًا من عقل جماعي يقف في وجه العقل الفردي؟ إن أكبر المعضلات التي يواجهها الفرد في مسيرته نحو الحقيقة هي تلك المعتقدات الزائفة التي يراها الناس كحقائق مطلقة.
إن الوهم الجماعي ليس مجرد مفاهيم خاطئة، بل هو نسيج ثقافي متشابك من الأفكار التي نُسجت في عقولنا عبر الأجيال. إنها تلك "الحقائق" التي نشأنا عليها، والتي لا نتجرأ حتى على التساؤل عنها، لأنها تصبح جزءًا من هويتنا الجمعية. وكم من أكذوبة تشبثت في الذاكرة الثقافية لمجتمع ما، فأصبحت أعمق من الموروثات التاريخية.
أحيانًا، نصدق أن الحقائق تتواجد في الأشياء الملموسة فقط، لكن الحقيقة العميقة هي أن أكثر الأشياء تأثيرًا في حياتنا هي تلك التي لا نراها بعينينا، لكننا نشعر بها. إننا نصدق الكذبة لأننا تربينا على قبولها، وعندما تترسخ في عقولنا، تصبح حقيقة مقدسة.
يروي لنا التاريخ قصصًا عن شعوب اعتقدت أن الأرض مسطحة، وأن الشمس لا تغرب إلا لأن الآلهة غضبت، وأن الطبقات الاجتماعية هي قوانين إلهية. ولكن، ماذا لو نظرنا في تلك "الحقيقة" بعين الشك؟ ماذا لو فتحنا أبواب العقل دون خوف؟ هل سنكتشف أن ما نؤمن به ليس سوى خرافة؟
يقول الفيلسوف نيتشه: "من يريد أن يحقق نفسه يجب عليه أن يتخلى عن تلك القناعات التي تربطه بالآخرين." فالأشخاص العظماء هم من كسروا القيود التي فرضها المجتمع عليهم، وتجاوزوا السائد لينشئوا أفكارًا جديدة. إنهم لم يقبلوا أن تكون الأكاذيب الجماعية هي واقعهم.
لكن، كيف لنا أن نفهم هذا؟ كيف يمكننا فك طلاسم الوهم الذي نعيش فيه؟ إن البداية تكون في الاستفهام، في السؤال. فكما يقول سقراط: "الجهل هو أصل كل الشرور." فالسؤال هو خطوة أولى نحو التحرر. إن مجرد التساؤل يمكن أن يفتح أمامنا أبوابًا من الوعي كانت مغلقة، وقد يقودنا إلى حقائق بعيدة عن الأوهام التي لطالما رُسِمت في أذهاننا.
نعيش اليوم في زمن تتسارع فيه المعلومات، ولكن الأكثر سرعة هو انتشار الأوهام. فما أسرع أن تصبح الأكاذيب شائعة، وما أبطأ أن تتحول الحقيقة إلى واقع. إن الأكاذيب التي نتبناها كحقائق جماعية تُظهر لنا بأكثر الطرق غرابة كيف أن الجماعة هي أقوى من الفرد، كيف أن الوعي الجمعي في النهاية يفرض ما يصبح هو "الحقيقة" في زمن ما.
لكننا، كبشر، خلقنا من طينة الشك، وطينة البحث. فما أروع أن نغرد خارج السرب، ونخرج عن دائرة القبول التام لما يقال لنا، بل نعيد تساؤلاتنا في أفق أكبر. فالعقل، كما يقول ديكارت، هو المحرك الذي يجب أن يستقل في مسيرته. "أنا أفكر، إذًا أنا موجود." ولكن هل نستطيع أن نختار ما نفكر فيه؟
إلى متى سنبقى سجناء تلك "الحقائق" التي ورثناها بلا نقاش؟ أن تقبل بما هو قائم اليوم دون سؤال هو في الواقع الخضوع لطغيان الأفكار التي لم تختبر. إن الحرية الحقيقية لا تأتي إلا من خلال التحطيم المستمر لما تفرضه الجماعة على الأفراد. وإذا كانت الجماعة قد اختارت أن تؤمن بأن الشمس لا تغرب، فإن الفرد يجب أن يجرؤ على التحقق من ذلك بنفسه.
لذلك، أقول انا دائمًا: "إذا سادت الجماعة، فلتسود الفكرة الجديدة في أعماق الفرد."
إن الحقيقة العميقة في النهاية هي أن الأكاذيب التي تراها "حقائق" لن تظل كذلك، بل هي مع الزمن مجرد وهم يُنكش. فكما ينقش الحجر، ينقش العقل، وفي النهاية، لا بد للوعي أن ينهض ليضع حداً لما هو مفروض عليه.
لذلك أختم بأبيات:
دع الأوهام تنجلي عن عيونك
فليس الوهم إلا سجن كونك
فإن العقل إذا أغلق باباً
توارى النور في كهف ظنونك


© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير