الأنباط -
اختتام أعمال مؤتمر "الفهم المشترك بين ضفّتيّ المتوسّط: مفاهيم، أفكار، ومدركات"، في "الأردنيّة"
باحثون يناقشونَ في جلساتِ المؤتمر إشكاليّاتِ التّثاقف والنّقد المتبادل
اختتمت اليوم السّبت أعمالُ مؤتمر "الفهم المشترك بين ضفّتيّ المتوسّط: مفاهيم، أفكار، ومدركات" الّذي نظّمته كليّة الآداب في الجامعة الأردنيّة.
وناقش باحثونَ ومشاركون في جلسات المؤتمر إشكاليّاتِ التّثاقف والنّقد المتبادل، وقدّموا أوراقًا تناولت قضايا ثقافيّة، وجماليّة، ونقد الاستشراق، ودراسات الاستغراب، وغيرها، والإسهامات والتّأثّرات المتبادلة لفلسفات الجمال المتنوّعة الّتي حفلت بها منطقةُ المتوسّط، خاصّة احتكاكات الفلسفة اليونانيّة والرّومانيّة بالفلسفة الجماليّة في منطقة المتوسّط.
كما عرضَ المشاركون في جلسات المؤتمر تأثيراتِ الفكر الجماليّ لأرسطو، وأفلاطون، وفيتاغورس، على سبيل المثال؛ إذ يضاف إليهم ما لحقهم من طروحات وأفكار جماليّة تبنّاها الفكرُ الجماليّ العربيّ الإسلاميّ (كأفكار ابن رشد وغيره).
وبيّن المشاركون تدرّجاتِ الفكر الجماليّ المسيحيّ البيزنطيّ، والعصور الوسطى، والنّهضة الّتي ركّزت جميعها على الجمال بوصفه وسيلةً للتّعبير عن الإيمان الدّينيّ والتّقرّب إلى الله، وتشاركت جميعها في توليد رؤية فكريّة جماليّة لحوض المتوسّط لها خصوصيّتها ونكهتها رغم وجود بعض التّفاوتات ذات الجدليّة الخصبة.
وأوضح المشاركون في الورقة البحثيّة "قلق الحضارة والثّقافة في نقد الاستشراق ودراسات ما بعد الاستعمار والتّابع"، أنّ مصطلح الحضارة والثّقافة شكّل منهجًا استعماريًّا وإيدولوجيًّا في متون الاستشراق ودراسات ما بعد الاستعمار، وفي الوقت الّذي يتبرّأ فيه إدوارد سعيد من اختزاله في إطار دراسات ما بعد الاستعمار؛ وقع كثير من كتّاب النّهضة، أمثال طه حسين، وشكيب أرسلان، والأفغاني، وغيرهم من المفكّرين العرب في أغلوطة يوتوبيا الحضارة والثّقافة دون الالتفات إلى تفكيك المنهج الحضاريّ تجاه الذّات العربيّة وتشكلّات الوعي تجاه مفهوم التّقدّم، والتّأخّر، والتّخلّف، والاستبداد، والتّحرّر.
ونبّوا إلى أنّ ثمّة لحظةً مفارقة ما بعد كانط جعلت من هيجل وماركس فيلسوفين مركزيّين؛ لكنهما قاما بتبرير العنف والقوّة الاستعماريّة، وهذا جزء أصيل من مكوّنات الحضارة الغربيّة سياسيًّا ومعرفيًّا، وثمّة أمثلة كثيرة يمكن التوسّل بها لاستبصار الواقع العربيّ في الوعي الصّهيونيّ والاستعماريّ الغربيّ، ومآلات غزّة، وتفسير الإبادة والصمت العالميّ تجاه التّطهير العرقيّ، ليخلص إلى القول إنّه يبدو أنّ غياب نقد مفهوم الحضارة والثّقافة في السّياق السّياسيّ والاجتماعيّ والأنثروبولوجيّ يشكل ملمحًا أساسيًّا لإنتاج المعرفة في السّياق العربيّ والغربيّ.
أمّا في الورقة البحثيّة "فلسفة النّهضة العربيّة الحديثة بين الإصلاح والتّحديث: قراءة نقديّة في المنهجيّات والرّؤى" فقد أشار المشاركون إلى الاتّجاهات الفكريّة الّتي ظهرت بعد الغزو الأوروبيّ، خاصّة مع الحملة الفرنسيّة بقيادة نابليون إلى المنطقة العربيّة نهاية القرن الثّامن عشر الّتي أبانت واقعنا العربي بكلّ تناقضاته وسلبيّاته قياسًا بنموذج آخر، والتّيارات الّتي نشأت لقراءة الواقع، وما الآليّات الّتي اقترحوها للنّهضة.
كما تحدّثوا عن الأسباب الّتي حالت دون قيام نهضة عربيّة مأمولة، رغم السّعي إليها منذ ما يزيد عن قرنين، ولماذا لم يتقدّم العرب أثناء هذه المدّة، إذا ما قيست بالنّهضة العربيّة الأولى أثناء القرنين الثّاني والثّالث الهجريّين، أو إذا قيست بالدّول الّتي تحرّرت من الاستعمار بعد الحرب العالميّة الثّانية الّتي قطعت مرحلةً راسخة في مضمار الحضارة والمدنيّة والتّقدّم، بل حتّى النّهج الحضاريّ الفكريّ كما فعلت الصين وتتبعها الهند بقوّة.
وفي ختام جلسات المؤتمر عُقِدت جلسةٌ حواريّة بعنوان "التّواصل والحوار بين ضفّتيّ المتوسّط"، ويشار الى أنّ جلساتِ المؤتمر استهلّت بمحاضرة رئيسة تحت عنوان "شذرات فكريّة وصراحة مسؤولة" لأستاذ الفيزياء النّظريّة والباحث الأردنيّ همام غصيب، قدّمها الأكاديميّ والباحث صالح أبو إصبع.