الأنباط -
الاف تيسير - الأنباط
يبدأ خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني في القمة، الذي يتسم بتأكيد راسخ على موقف الأردن الثابت تجاه القضايا الإقليمية، وخصوصاً القضية الفلسطينية، ويكشف عن أبعاد عميقة تتجاوز الخطاب السياسي التقليدي. يمثل خطاب الملك دعوة مُلحة للتضامن العربي وللتدخل الدولي الفعّال لوقف المأساة الإنسانية التي تعيشها المنطقة، وتحديداً الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ولبنان. تتجلى في كلمات الملك رسائل ضمنية تستحضر الأبعاد التاريخية والدينية للأردن كداعم حقيقي للقضية الفلسطينية، وهو الدور الذي كرسته المملكة عبر عقود، حيث يُعتبر الدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية التزاماً متوارثاً يتجاوز حدود السياسة. بهذا السياق، يظهر الأردن كقائد عربي أصيل يعمل للحفاظ على الهوية التاريخية لفلسطين ويعزز موقعه كحامٍ للمقدسات. الخطاب هنا يعيد تأكيد هذه المسؤولية على مرأى المجتمع الدولي، محملاً إياهُ مسؤولية الإخفاق المتكرر في دعم هذا الدور وحماية الحقوق الفلسطينية.
يبرز في خطاب الملك الإحساس العميق بالظلم والإحباط الذي يتشاركه الأردن مع الشعوب العربية، والذي ينبع من استمرار التخاذل الدولي في مواجهة انتهاكات إسرائيل المستمرة. هذا الشعور يتخذ بعداً نفسياً وعاطفياً يتجاوز البعد السياسي؛ فالملك يخاطب الضمير الإنساني، مُظهراً الكارثة الإنسانية التي يواجهها الأبرياء، ليثير مشاعر الاستياء والتضامن الإنساني ويكشف الوجه المزدوج للمعايير الدولية التي غالباً ما تتجاهل حقوق الفلسطينيين
على المستوى الإقليمي، يحمل خطاب الملك تحذيراً مبطناً لإسرائيل، مفاده أن مواصلة التصعيد العسكري لن تمر دون ثمن، وأن المنطقة تقف على حافة الانزلاق نحو حرب شاملة قد يدفع الجميع ثمنها. هذا التحذير موجّه ليس فقط للدول المجاورة، بل هو رسالة واضحة لإسرائيل نفسها بأن أي حرب شاملة ستؤدي إلى تداعيات خطيرة تهدد استقرار المنطقة، وربما تمتد آثارها إلى أبعد من الحدود. يؤكد الملك أن الأردن، رغم تواضع موارده، لن يتهاون في الدفاع عن أمنه الإقليمي واستقرار دول الجوار، ولن يتردد في دعم الشعب الفلسطيني واستقلال لبنان ضد كل ما يهدد أمنهما وسيادتهما.
تستمر رسالة الملك في دعوتها لتحقيق الوحدة والتضامن العربي، مسلطة الضوء على أهمية العمل الجماعي العربي في ظل تزايد المخاطر الإقليمية. يدرك الملك أن التحديات الحالية تتطلب تضافر الجهود على مستوى الشعوب والحكومات، ولا يقتصر هذا الخطاب على القادة فحسب؛ بل يوجه الملك رسالته أيضاً إلى الشعوب، حاثاً إياها على توحيد الصفوف لدعم مواقف بلادها والدفاع عن حقوقها المشتركة، ليظهر الملك كقائد يعمل على حشد التضامن العربي ويعيد تعريف العلاقات بين الدول الشقيقة في ظل أزمات متزايدة التعقيد
أما على المستوى الأردني الداخلي، فإن خطاب الملك يعزز من الثقة الشعبية بالقيادة التي تتفاعل بفعالية مع الأزمات الإقليمية، وتسعى لحماية مصالح الأردن في بيئة مضطربة. يكشف الخطاب أيضاً عن حرص الملك على إبراز التزام الأردن التاريخي بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين ومساندة الشعب اللبناني، ما يعزز من الشعور الوطني لدى الأردنيين بأن بلادهم تقف دوماً إلى جانب المظلومين وتعمل باستمرار لتحقيق العدالة.
يدعو الملك إلى ضرورة تحرك عاجل لإطلاق جسر إنساني يوصل المساعدات الضرورية إلى غزة، مشدداً على أهمية التزام العالم بحماية الأبرياء وإنقاذ حياة المدنيين. يبرز هنا عمق الرسالة الإنسانية التي يسعى الملك لترسيخها في الوعي العالمي، حيث لا تُعتبر القضية الفلسطينية مجرد نزاع سياسي، بل هي مأساة إنسانية يجب أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية وضع حد لها
خطاب الملك يعكس موقفاً أردنياً متوازناً بين العمل الدبلوماسي الصارم والموقف الأخلاقي العميق. وهو يسعى لتقديم نموذج يحتذى به في تحمل المسؤولية والتضامن الإنساني، ويعمل على تعزيز رؤية مستقبلية تستند إلى تحقيق السلام والاستقرار الدائمين. بهذا، يشكل خطاب الملك نداءً مدوياً للمجتمع الدولي كي ينهض بدوره، ويدعو العالم إلى اتخاذ خطوات ملموسة بدلاً من الاكتفاء بالتصريحات الجوفاء
يستمر خطاب الملك في التأكيد على أن استقرار الأردن ودوره التاريخي لا ينفصل عن قضايا أمته، وأن القيادة الأردنية تعمل بشكل دؤوب لحماية المنطقة من التهديدات المتزايدة. يسعى الأردن من خلال هذا الخطاب إلى بناء تحالفات دولية وإقليمية جديدة، حاثاً أصدقاءه وحلفاءه على تقديم الدعم الفعلي للشعب الفلسطيني، في خطوة تهدف إلى وضع حد لمعاناة مستمرة منذ عقود
في الختام، يظهر خطاب الملك عبد الله الثاني كدعوة حقيقية لإحياء التضامن العربي وإيقاظ ضمير المجتمع الدولي. يعكس هذا الخطاب رسالة الأردن المستمرة في حماية الحق الفلسطيني والعمل من أجل السلام العادل. إنه موقف ثابت ومتجدد، يعزز من مكانة الأردن كدولة عربية تدافع عن العدالة وتلتزم بمبادئ الإنسانية، وتجسد دورها كقائد إقليمي لا يقبل الحياد حين يتعلق الأمر بالدفاع عن الحق والعدل في منطقة ملتهبة بالأزمات