الأنباط -
النتائج هي ما نرى لا ما أرادوا .
ما يحدث في عالمنا العربي يدفعك بقوة إلى التوقف والتفكير والتحليل قبل التحرك، وخلق الوعي وتغيير الإنسان ودفعه نحو الإيجابية وردة الفعل الإيجابية هي هدف بحد ذاتها، وهي التي تجعل الأفعال وردودها تأخذ بالحساب قبل الإنفعال للعمل، مهما كان هذا الفعل ومهما كانت نتائجه المتوقعة .
أن تحيا في إنعدام الدولة أو في ظل الدولة أو في دولة، عندما تقع الكارثة يقف من بقي حيا ليساعد من يحتاج إلى مساعدة، ولكن من يملك أن يساعد كل من حوله بدون دافع أو قوة محركة، كل أولئك الذين يحتاجون إلى مساعدة من سيقف لهم؟
ما شاهدناه جميعا في عدة دول محيطة يعطي صورة واضحة عن معنى وجود دولة، أو ظل هذه الدولة الذي يؤمن بحده الأدنى خدمات الإعاشة والمساعدة على الإستمرار، وهناك إمكانيات كثيرة وخدمات وحماية وأمن يعطيها وجود هذه الدولة بأي صورة حتى في اعلى درجات ضعفها كما يحدث اليوم في لبنان، وهناك خدمات كبيرة وجليلة تقدمها الدول الحقيقية لرعاياها، من تأمين السكن والمأكل والملبس وضروريات الحياة بل وحتى الحياة نفسها إلى مواطينيها.
ما يحدث في ظل إنعدام الدولة خطير وخطير جدا، ماحدث في هذه الدول وما حدث في الإعتداء الصارخ على الحياة مثلا بدون تحقيق ولا قانون ولا محاكمات، وقتل عدد كبير من البشر للإختلاف معهم في الفكرة والعقيدة والتوجه، هنا يبحث المظلوم عن الحقيقة فلا يجدها، ويحاول جاهدا أن يحصل على جزء منها، أو على ما يستطيع الحصول عليه منها، وقد خسر في كل شيء حتى ما كان ظلا في الحقيقة فلا بيت ولا أمن ولا حرية ولا ولا، وهل كان يكفي ظل الحقيقة ويغني عن البحث عن الحقيقة في يوم ما، وهل يجب أن نوقف السعي خوفا من فقد الحقيقة ونكتفي بظل الحقيقة من فقدان ما كنا نظنه لا شيء، ولكنه في الحقيقة كثير وكثير جدا.
لا أثير فلسفة هنا ولا أبحث عن التعقيد، ولكني عالق فيما حدث في هذه الدول وتحديدا في النتائج وذلك القتل بعدها، ولست هنا حتى أقيم هذه التجربة أو أضع لها مقاييس النجاح والفشل، فمن أنا وما قدمت وما هي تضحياتي وما هو الدور الذي قمت به هنا، فهناك من ضاعت حياته وضاعت حريته أو تشرد في دروب الحياة أو فقد الأهل والأبناء ومن من.
ولكن ما أقلقني في هذه الحالة، هو ظل الدولة نعم ظل الدولة، ربما هي في مقاييس الكثيرين لا ترقى أن تكون دولة ولكنه ظل، ولكن مع هذا الظل هناك أنظمة دعم كاملة، تقوم على خدمة هذا الظل وإستمراره، وأنا لا أدافع عن ظل ولا عن دولة هنا .
ولكني أردت القول بأن السعي للأصلاح يجب أن يتصف بالحكمة، بحيث أنه أذا كان الضرر المتوقع جلبه هو أكبر بكثير من الضرر الواقع فعلا من بعض الفاسدين أو بعض التجاوزات أو حتى هذا الضنك في الحياة يشعر به الكثيرون، فهل السعي للإنقلاب على هذا الواقع مقبول، أم يجب العمل لتغيير هذا الواقع بطرق أقل ضررا، وهل يجب على العاقل أن ينخرط في مثل هذا النوع من الحركة إذا كانت النتائج تحدث ضررا بالغا.
ألا يؤمن ظل الدولة الكثير ويجلب الكثير من المنافع ويدفع الكثير من الضرر، ولذلك وضع علماء الأمة ضوابط شديدة في الخروج على الحاكم، وهل هذه السنوات الضائعة في إعادة شبه نظام أو ظل دولة كما حدث في هذه الدول، أمر يمكن تقبله لمن يحيا في الكثير من النعم وأنظمة الدعم التي تجعل الحياة ممكنة من كهرباء وماء وطرق وسكن وصحة وآمن وطرق وجيش ودفاع مدني، والأهم ربما في ظل حدوث كارثة لا قدر الله، أن تكون هناك جهات وطنية وعربية وأجنبية قادرة على الوصول، وتقديم يد العون والمساعدة بدون خوف ولا قلق من إقتتال أو خطف أو فقد للأمن.
التضحية التي قدمها الشعب السوري والعراقي والليبي والتونسي والمصري تستحق نهاية أفضل، فهو كان يبحث عن الحرية والحياة الكريمة ، ولكن دخل على هذا الخط الكثير ممن لهم أجنداتهم الخاصة وتم حرف البوصلة وضاعت بفعل القوى والتجاذبات الدولية، وهنا أقف مع أولئك الذين لا يستشعرون خطر القوى الدولية وقدرتها على حرف البوصلة او التلاعب بها لصالح هذه القوى، ولكن للأسف كل الثورات التي حدثت في المحيط إما تم التلاعب بها، أو حرفها عن هدفها الأصلي بفعل هذه القوى، وكانت النتائج هي ما نرى لا ما أرادوا للأسف .
أنا لا أريد أن أجعل الخوف من الحركة هدفا، ولكني أريد من العقل ضبط الحركة بما يعود بالفائدة، أو على أقل تقدير ضبط حركته بحيث تكون النتائج المتوقعة ضمن الحسابات عند القيام بالفعل، لأن ردة الفعل غير منضبطة بما تريد تؤدي إلى نتائج عكسية غالبا، وهناك في الواقع الكثير من العوامل التي تؤثر على هذه النتائج والتي قد تحرفها عن الهدف الأصلي.
إبراهيم أبو حويله ..