الأنباط -
سجائر صديقة للبيئة
سعيد الصالحي
قررت اليوم قررا مهما، وربما هو الأهم الذي أتخذه منذ خمسة وثلاثين عاما، لقد قررت أن أقاطع صديقا قديما رافقني في كل محطات حياتي، وكان يتحكم في مزاجي ويتغلغل إلى القلب، كان حاضرا في الفرح والحزن والهزل والجد، وكان رفيقا يسبب الأوجاع والآلام أحيانا ولكنني كنت أحبه وكنت أقبّله في اليوم عشرات المرات، وأحرص أن يكون بالقرب مني عندما أتخذ قرارتي ومواقفي التي لا تعجب أحدا منذ سنوات، -لأن مواقفي ليست مائعة ومتلونة ومترددة وخالية من النفاق لذلك فهي عكس ماء الزهر فغالبا ما تؤدي إلى المغص ولكنها لا تسبب الوفاة- أما اليوم فلم يكن حاضرا عند اتخاذ القرار، فقد قررت مبدئيا أن أقاطع السجائر ولم أقرر فيما إذا كنت سأقلع عنها، فأسعار السجائر كانت تستفزني دائما وكنت أتقبلها لأنني كنت أتعاطى مع سعرها أما هذه المرة فقد مغصتني ولم أهضمها لأن مبرر رفع أسعارها قد جعلني أشعر بكم الحنان الذي أدخرته الحكومة لسنوات ولم تفصح عنه إلا في الوقت المحتسب بدلا من الضائع، هذه الحكومة التي تخشى على صحتي وتخشى على نقودي أن تصرف فيما لا ينفع، وبما أنني مواطن صالح وبار بحكومتي فقد قررت ألا أعترض على قرارتها وأن أبرد قلبها وأهدئ من روعها وأبدد قلقها بإعلاني مقاطعة السجائر وحتى ولو كانت مجانية على حساب الأصدقاء، فلن أقبل دعوتهم على أي سيجارة أو أرجيلة منذ الساعة، لأن صحتي أهم كما أخبرتني الحكومة التي أتخذت القرار ثم اتخذت سبيلها في البحر سربا.
نعم سأقاطع السجائر وسأستبدلها بعروق الملوخية الناشفة، كما كنا نفعل عندما كنا صبية، ولكنني أخشى أن يتأثر الأمن الغذائي للحمير التي تعتاش على عروق الملوخية وقشر البطيخ في موسم الصيف، وأظن أن الحمير لن تمانع أن تتنازل عن رزمة عروق من قوتها للخرمانين البسطاء، وسأخزن بعض العروق الخضراء لفصل الشتاء وربما سأكون أول من جمد عروق الملوخية وأعاد تدويرها ووفر بعض المساحات في مكبات النفايات أو الزرائب.
سأقاطع السجائر ولكنني لن أقف مكتوفا، بل سأفكر وأجتهد وسأضيف بعض النكهات لعروق الملوخية وبهذا أصبح مخترعا، وسأقوم بتسجيل اختراعي هذا في مكاتب براءات الاختراع المحلية والعالمية، حتى أتقاضى نقودا على كل عرق ملوخية يتم تدخينه منكها ولن أكون إنسانيا أكثر من اللازم كالسويدي "نيلز بوهلين" ولن أتنازل عن حقوقي التجارية كما فعل مع حزام الأمان، وكذلك سأصنع منه معسلا للأراجيل فيجب أن ألبي كافة احتياجات المدخنين والمدخنات، ولن أخشى على منتجي الجديد منافسة السيجار الكوبي، لان الملوخية لم تصل إلى الجزر الكاريبية فالملوخية الخضراء تسكن بين النيل والفرات.
نعم، سأقاطع السجائر ولكنني لن أقاطع التدخين، فاختراعي الجديد لن أسميه سيجارة، أو معسل سأجد له اسما آخرا يشبه اسماء المنتجات الجديدة التي لم نكن نعرفها قبل سنوات، وسأركز في الحملة الإعلانية على أنه منتج صديق للبيئة، يعتمد على إعادة التدوير وسأحرص على دعم مشروعي من الجهات المانحة الحنونة أيضا والتي تحرص على تامين بيئة خضراء ونظيفة لنا، وسأضمن لهم عدم المساس بحصة الحمير من عروق الملوخية، لأن الحمير تستحق عنايتنا وتستحق أن نظهر لها بعض الرحمة فأنا على الرغم من جشعي وطمعي ما زلت حنونا ورحيما مثلهم.
أنا لا أحرض أحدا أو أحثه على الاقلاع عن التدخين ومقاطعة السجائر، ولكنني أقدم حلا لمنتج جديد صديق للبيئة، وإن كان سيجلب بعض الحيرة للحكومات لأنها لن تجد تعرفة جمركية له، ولكنها ستجد حلا سريعا ورشيقا فربما تتعامل معه كما تتعامل مع الأعلاف، أو ربما ستعتبره أحد المنتجات المعاد تدويرها وقد تمنح اعفاء ما للمنتجين، وأخيرا أود أن ألفت انتباه الحكومة الحنونة أننا ندخن منتج طبيعي ومحلي، واتمنى عليهم ألا يعارضوا هذا المنتج وألا يحرمونا متعة تدخين المخلفات الطبيعية- حلوة كلمة مخلفات-.