نزاعات تطفأ.. وغزة تحترق: لماذا لا تُحل الحرب الأطول؟ كيف اتجهت الأسواق للارتفاعات القياسية وانخفض النفط بتهدئة شكلية؟ تنوع المصادر والتخزين.. ركيزتا الأمن الطاقي في مواجهة الأزمات بسبب صافرات الإنذار.. طلبة “التوجيهي” يفقدون التركيز علاقة إسرائيل بأمريكا: من توأم سيامي إلى توأم منفصل. إيران على أعتاب تحولات جذرية ارتفاع مؤشرات الأسهم الأميركية وانخفاض نفط تكساس بدء نفاذ سريان تطبيق احكام المادة 22/ 1 من قانون التنفيذ المعدل رقم 9 لسنة 2022 حسين الجغبير يكتب : هدوء مؤقت ما لم تنتهِ الحرب على غزة وزير الخارجية: مصلحة الأردن وأمنه أولوياتنا جلسة نقاشية في مادبا تؤكد دور التدريب المهني بتعزيز الكفاءات رئيس الوزراء يلتقي رئيسيّ مجلسيّ إدارتيّ التلفزيون ووكالة الأنباء الأردنيَّة "إرادة والوطني الإسلامي" تقيّم أعمالها وتحدد أولوياتها المقبلة بني مصطفى: الإستراتيجية الوطنية للحماية الإجتماعية المحدثة شملت تحسينات جوهرية تتعلّق بتوسيع نطاق التغطية للعاملين في القطاع غير الرسمي لجنة الخدمات والنقل النيابية تطلع على عمل وزارة الأشغال العامة والإسكان "الزراعة النيابية" تتابع قضايا القطاع وتؤكد: الحليب المجفف ممنوع في الألبان الطازجة القيادات المسيحية في الأردن وفلسطين تستنكر تفجير كنيسة بدمشق مندوبا عن الملك وولي العهد.. يعزي العيسوي عشائر المجالي والغزاوي ‏الصين :نتابع عن كثب تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، ولا نريد رؤية تصعيد التوتر السفارة الأردنية في الرباط تحتفي بإشهار كتاب يوثق ربع قرن من الشعر الأردني

شهيد الصحن الفارغ - قصة قصيرة

شهيد الصحن الفارغ - قصة قصيرة
الأنباط -


سعيد الصالحي

قال: كيف وصلت إلى هنا؟
أجاب: لقد فتك بي الصحن الفارغ.
قال: تقصد الصحن الطائر، أليس كذلك؟
أجاب: كلا، الصحن الفارغ، لقد قضيت عدة أسابيع وأنا أحاول أن أملأ هذا الصحن اللعين بأي شيء من فوم الأرض أو من منّ السماء وسلواها فلم أفلح، قضيت أيامي أتأمل نقوشه وأدعو كل يوم أن أرى شظاياه مبعثرة أمامي عندما أعود إلى بيتي، فالصحن يحل قتله عندما يعتاد على الفراغ، كانت أسابيع الجوع والصحون الفارغة صعبة جدا، وأنت كيف أتيت إلى هنا؟
قال: لقد كانت الأقدار أكثر رحمة بي منك، فقد كنت أسكن خيمة بلاستيكية كانت فيما مضى تستخدم لانتاج الخيار والبندورة المعلقة والفلفل الأحمر، وأصبحت بعد العدوان مسكنا للعشرات من النازحين، كنا نقضي الساعات بعد الطلعات الجوية للعدو واحصاء الانفجارت وتقدير مكان وقوعها، إلى أن سقطت إحدى القذائف بالقرب من بيتنا البلاستيكي، فتبخرت على الفور ولم يبق مني إلا فردة الحذاء، فانفجرت مقلتي، وتسامى جسدي نحو السماء، وبقيت فردة الحذاء الانجليزية التي ابتعتها من محل الملابس والاحذية المستعملة مطبقا مثلنا الشعبي "على قد لحافك مد رجليك" فما حاجتي لزوج من الأحذية فعكازتي لا تحتاج الفردة الأخرى، فقد فقدت ساقي اليمنى منذ اليوم للقصف وتركتها خلفي في حارتنا عندما زحفنا نحو الجنوب، وأنت هل رحلت نحو الجنوب؟
أجاب: لقد حملت بضعا من متاعي وملابسي بالإضافة إلى بعض الأواني الخزفية التي حرصت على الحفاظ عليها لأنها من جهاز جدتي عندما كانت عروسا، جدتي التي أصرت على حملها معها من اللد أيام نكبتنا الأولى، ولم تكن تعلم جدتي أنها كانت تورثنا أداة موتنا وقتلنا، حملت صحونها وفناجيلها والملاعق المذهبة وسرت نحو الجنوب، وهناك كان العطش والجوع يتربصان بنا خلف البيوت المهدمة والأسوار الساقطة ونظرات الأطفال، بدأ الجوع يتسرب إلينا  ويقتلنا بصمت وبصحن كاتم للصوت، وكلما استبد بي الجوع كنت أخجل من صوت معدتي وهي تخور كعجل صغير، وأحاول أن أكتم صوتها بالزفير والدعاء، وأنت هل صادفت الجوع في الجنوب؟
قال: لا، فأنا شهيد تقليدي شهدت رحلة الموت التدريجي وفقدان الأشلاء وأنا برسم الموت ولكن لم يصادفني الجوع الكافر، وكل ما أذكره بأن تأشيرة جسدي نحو السماء قد تأخرت قليلا، لأنهم لم يجدوا أشلائي فقد آلت إلى غبار وبخار، ولم يتمكن أحد من جمعها لأنني أول من تبخر في هذه الحرب، وبالتالي ظن البعض أن فردة الحذاء قد ألتهمتني، فتكتموا على تحليلهم حتى لا يسخر منهم سكان البيوت البلاستكية المجاورة، وبعد عدة أيام تم استصدار شهادة وفاة لي، وكانت فردة الحذاء دليل شهادتي وارتقاء روحي الوحيد، فلولا الحذاء لما عرف رفاقي في الجوار أن الرجل الأشيب صاحب العكاز قد حفر اسمه ونمرته في سجل الشهداء، دعك مني واخبرني ماذا حل بالصحن بعد وفاتك؟
أجاب: لقد رميته في البحر قبل وفاتي بساعة لعله يعود إلى طبيعته الأولى مجرد صحن وحسب، ولعل البحر يغسله ويطهره من أرواحنا التي افترسها ببياض صفحته ونقوشه الزاهية، وربما سيعيده البحر لي محملا بباقة من الأسماك والمحار كدليل على توبته، لكن الجوع داهمني قبل أن تصل معونة البحر أو قراصنته، وقبل أن يعود الصحن الفارغ بكفنه الأبيض السادة دون نقوش.
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير