أعودُ أنا لعمّان وفي جعبتي هذا السؤالِ، الذي عززتهُ عبارةُ الملكِ واختصرتهُ. كيفَ يغدو التفاوضُ مقبولاً حينَ يغادرُ أحدُ الأطرافِ منذُ الأزلِ وفي جعبتهِ وحدهُ لا شيءً!.. وكيفَ استسغنا أنْ نطلقَ على احتلالٍ تشهدُ عليهِ الأشهادُ ، ولمْ يبقَ غيرهُ في العالمِ اسمَ " نزاعٍ "؟، وكيفَ استطاعتْ اللعبةُ الاستعماريةُ الكبيرةُ الممولةُ منْ صهاينةٍ حقيقيينَ ومؤدلجينَ تشويهَ ما يحدثُ على الأرضِ وتأطيرهِ ضمنَ مفرداتِ " نزاعِ أوْ صراعِ " وإخضاعها لشروطِ المجتمعِ الدوليِ المطاطةِ والتي لا تنطبقُ منْ قريبٍ ولا بعيد على حالةِ الشعبِ الفلسطينيِ.
نزاعٌ على مواردَ، على مياهٍ إقليميةٍ، على ترسيمِ حدودِ بينَ دولتينِ ماثلتين ومعترف بهما على الخريطةِ العالميةِ، نزاعٌ على ميراثٍ، على ملكيةِ منزلٍ، قدْ نتفقُ أوْ نختلفَ على هذهِ الأمورِ وكيفَ نسميها، لكنْ كيفَ نسمحُ للآلةِ الاستعماريةِ الصهيونيةِ وأدواتها أنَ تغيرَ المفرداتِ والمفاهيمِ كلها، كلُ يومٍ، في إعلامهمْ، وإعلامنا العربي.
ما يحدثُ في فلسطينَ ليس نزاعا، يمكن حله بتنازل الفلسطينيين عن حقهم، عن أرضهم، ما يحدث في فلسطين هو احتلال ، عملية مؤسسة لأخذ الأرض وسرقة الهوية، احتلالٌ أبتْ السياسةُ والتحالفاتُ الاقتصاديةُ وقيمٌ الفرديةِ الجديدةِ التي عززتها الرأسماليةُ الغربيةُ إلا أنَ تموضعهُ في قالبِ أقلِ وطأةٍ لربما على الضميرِ العربيِ ، الذي لمْ يتبقَ منهُ أصواتٌ كثيرةٌ تذكرُ بأنَ على طاولةِ المفاوضاتِ كلها أنْ تأخذَ بعينِ الاعتبارِ مطالب الطرفينِ لا أنْ تنزعَ منهُ حتى الأسماءِ كما يعرفها ونعرفها جميعا .