دراسة أمريكية حديثة: التحدث مع أنثى لمدة ٥ دقائق فقط يزيد من الصحة العقلية للذكر تلوث الهواء يسبب الانسداد الرئوي المزمن دراسة تكشف العلاقة بين الضائقة المالية وآلام الظهر دولة تشطب ديون مواطنيها حتى 100 ألف دولار! دراسة: استخدام الاختصارات في الرسائل يثير الشك في صدق المرسل الجامعة العربية تحذر من التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية الصمت الحزبي حين يصبح خطيئة وطنية أرامل والمطلقات.. مطالِبات بالتمكين بمجتمع لا يرحم الاردن يتقدم 9 مراتب بمؤشر المعرفة العالمي.. عبيدات: التقدم المعرفي يعزز الاستقرار الاقتصادي ويوفر فرص عمل الصحة اللبنانية: 3768 شهيدا و 15699 جريحا منذ بدء العدوان مجلس الكنائس العالمي يطالب بتحقيق العدالة والسلام في فلسطين ولبنان الأردن يرحب بقرار يونسكو لدعم نشاطات أونروا في الأراضي المحتلة العين داودية يصلي بعد انقطاع دام 65 عامًا رونالدو يقود النصر لانتصار ثمين.. وأهلي جدة يعتلي صدارة "نخبة آسيا" مؤقتًا سينما شومان تعرض الفيلم الأردني "حكاية شرقية" للمخرج نجدة أنزور الصفدي يؤكد ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان فوراً تنبيه من دائرة الأرصاد الجوية الأردنية وزير الأشغال يتفقد مشروع الطريق التنظيمي لمنطقة وادي العش الصناعية عيادة متنقلة لخدمة اللاجئين الفلسطينيين في الزرقاء 10 آلاف خيمة لنازحين في غزة تضررت جراء المنخفض الجوي

برد شديد في أوروبا وموجة حارة في الوطن العربي.. لماذا جُنّ الطقس في إبريل؟

 برد شديد في أوروبا وموجة حارة في الوطن العربي لماذا جُنّ الطقس في إبريل
الأنباط -
خلال الأيام الأولى من شهر إبريل/نيسان الحالي، ضربت موجة برد تاريخية جميع أنحاء أوروبا، يرى البعض أنها لم تتكرر منذ نحو مئة سنة، حيث انخفضت درجات الحرارة ما بين 11-18 درجة مئوية عن المعدل الطبيعي، ما أعاد الناس من بدايات الربيع إلى عمق الشتاء في ساعات، وأدى أيضا إلى اضطراب النباتات والمحاصيل التي تتفتح في وقت مبكر في العديد من البلدان. (1)

 

وفي الفترة نفسها، ضربت بعض دول الوطن العربي موجة شديدة الحرارة غير متوقَّعة في مثل هذا الوقت من العام، حيث شهدت مصر على سبيل المثال ارتفاعا ملحوظا في درجات الحرارة لتكسر حاجز الـ40 درجة مئوية في بعض المحافظات، بزيادة 5-8 درجات مئوية عن المتوسط، فما الذي يحدث حقا؟

 

صافرات المناخ

فَكِّرْ في المنظومة المناخية على أنها سلسلة من الأجراس التي تتوزع بانتظام في مساحة عشرة كيلومترات مربعة، كلٌّ منها على مسافة متر واحد من الآخر، وتعمل تلك الأجراس بقانون واحد وهو أن الجرس إذا رصد صوتا مرتفعا عن حدٍّ معيّن من محيطه فسيُطلق صوتا مرتفعا هو الآخر، هنا قد يكون كل شيء طبيعيا طوال اليوم مع أصوات خافتة أو عادية، لكن إذا ارتفع صوت أحد الأجراس فسيُثير محيطه، الذي سيُطلق الصافرات بالتبعية ليُثير محيطا أوسع، وفي غضون ثوانٍ ستُطلق كل الأجراس أصواتها المدوية

 

الأمر كذلك في التغير المناخي، فتغير متوسطات درجات الحرارة على مدى عقود يُثير انتباه الأنظمة المناخية عموما لتصبح أكثر عنفا، هنا تصبح الموجات الحارة أكثر حرارة وأطول عمرا، وتشتد الأعاصير عن المعتاد، وتطول موجات الجفاف، وتصبح العواصف الترابية أشد، وتصبح الموجات الباردة أبرد من الطبيعي

 

وعلى الرغم من أن احتمالية حدوث الموجات الباردة تقل في سياق ارتفاعات درجات الحرارة، فإن كوارث مناخية أخرى تسمح بحدوث موجات برد استثنائية، في تلك النقطة دعنا نتعرَّف إلى الدوامات القطبية (Polar Vortex)، وهي مناطق ضغط منخفض مستمرة وواسعة النطاق تدور بطريقة تشبه الإعصار أعلى كل قطب، وتمتد في عمق الغلاف الجوي للأعلى، تتسبَّب هذه الدوامات في كتلة كبيرة من الهواء البارد الكثيف تحتها وتُحيط بكل قطب

في الحالة الطبيعية (3)، فإن هذه الدوامات تكون في صورة خلية أو قُبة واحدة متماسكة، وبالتالي يكون الهواء البارد أسفلها محصورا تماما عند الدوائر القطبية فقط، لكن في بعض الأحيان فإن تلك الدوامات قد تضعف، هنا يمكن أن تنقسم إلى خليتين أو أكثر، وتبدأ في السفر بعيدا عن القطبين، وعندما تكون ضعيفة للغاية يمكن أن تتفتَّت بشكل كبير وبالتالي تسافر جنوبا إلى مناطق أعمق، وصولا إلى عمق دول مثل الولايات المتحدة الأميركية، أو حتى شمال أفريقيا وجزيرة العرب

 

لكن على الجانب الآخر (كما تلاحظ في التصميم المرفق)، فإن أطراف الهواء القطبي التي امتدت جنوبا تؤثر على الطقس المحيط بها، فتجذب المرتفعات الجوية ناحيتها، ما يتسبب في سفر الهواء الساخن للأعلى، وبالتالي نشوء موجات حارة بمحيطها، والواقع أن هذا ما حدث بالفعل في العالم العربي، حيث طالت أطراف تلك الموجة الباردة بلاد المغرب العربي، لكنها ضربت شرقي القارة بموجة حارة

 

وبحسب العديد من الدراسات في هذا النطاق (4،5)، فإن التغير المناخي يتسبَّب في احترار المنطقة القطبية التي تمتلك معدل احترار أكبر من ضِعْف المعدلات في بقية الكوكب، يتسبَّب ذلك في أن يصبح الفارق في درجات الحرارة بين المنطقة القطبية وخطوط العرض السفلى أقل، هذا الفارق هو دائما السبب في تزايد سرعة الرياح في الدوامة القطبية، ما يُسهِّل تفتُّت الدوامة مع الزمن، ويزيد فرص تكرار الموجات الباردة

في دراسة صدرت بدورية "ساينس"(6) المرموقة في فبراير/شباط 2021، أشار فريق بحثي إلى أن الأمر قد لا يتعلق فقط بتفتُّت الدوامة القطبية الشمالية، ولكن حتى مع عدم تفتُّتها هناك قابلية لأن تتمدد بسبب احترار المناخ، فتطول مناطق تقع في جنوبها لم تكن يوما تتأثر بالكتل الهوائية الباردة القادمة من الشمال، وقد وجد الباحثون أن حلقات الدوامة القطبية تمددت بالفعل تمددا ملحوظا خلال 40 سنة مضت

 

يُعتقد أن ذلك كان السبب في موجات باردة قاسية عانتها بعض الدول خلال الأعوام القليلة الفائتة، مثلا في عامَيْ 2019 و2021، كانت موجة البرد في الولايات المتحدة الأميركية هائلة لدرجة أن بعض المناطق (مثل ولاية شيكاغو) كانت درجة حرارتها أقل من درجة حرارة كوكب المريخ نفسه، وهناك الموجة الباردة التي سُمِّيت "وحش من الشرق" التي ضربت بريطانيا في 2018 وتسبَّبت في شلل كامل لبعض المناطق. أما في المنطقة العربية، ورغم أن تلك الموجات عادة ما تكون أقل قسوة بسبب بُعدنا النسبي عن أثر تلك التذبذبات في أوضاع الدوامة القطبية الشمالية، فإن ذلك لم يمنع أثرها أن يطولنا خافضا درجات الحرارة إلى معدلات لم تُرَ منذ زمن

 

العالم يتغير

بالطبع لا توجد روابط مؤكدة بين تغير المناخ وحادثة بعينها، لكننا في المجمل متأكدون من أن التغير المناخي يرفع من معدلات الشذوذ في الأحوال الجوية، على سبيل المثال(7)، كانت دراسة أجرتها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) في الولايات المتحدة الأميركية قد أشارت عبر عدة نماذج محاكاة مختلفة إلى أن تغير المناخ ربما يزيد من احتمالية فشل أمطار موسم الرياح الموسمية في بعض المناطق الأميركية، ما قد يؤدي إلى إشعال موجة جفاف متعددة السنوات لا تظهر أي علامة على التراجع، وخلصت دراسة أخرى إلى أن الشتاء الدافئ والرطب للغاية على شمال غرب روسيا في عامَيْ 2019 و2020 كان ممكنا فقط بسبب تغير المناخ

 

على الجانب الآخر، وجدت ورقة بحثية أن احتمالات حدوث موجة حر قاسية في أوروبا الغربية في مايو/أيار 2020 زادت بمقدار 40 مرة بسبب تغير المناخ الذي تسبَّب فيه الإنسان، وأن حرائق الغابات الشديدة في سيبيريا خلال عام 2020 كانت ناتجة عن أحوال جوية غير قياسية زادت احتمالية حدوثها بنسبة تصل إلى 80% عما كانت عليه قبل قرن من الزمان نتيجة للاحتباس الحراري

وفي عام 2018، أشارت(8) دراسة من دورية "ساينس أدفانسز" إلى أن معدلات الظواهر الجوية القاسية والمميتة عموما سترتفع بنسبة تصل إلى 50% بحلول عام 2100. في العام الفائت فقط تسبَّبت تلك الظواهر في إبعاد نحو 18 مليون شخص عن منازلهم، فيما يتوقع علماء المناخ أن خلال ثلاثة عقود فقط سيضطر 200 مليون شخص أن يفعلوا الشيء نفسه بسبب التغير المناخي، لذلك ظهر مؤخرا اصطلاح جديد وهو "مهاجرو المناخ"، ليُعبِّر عن هؤلاء الذين دفعهم التغير المناخي إلى الهرب من منازلهم، وكلما كانت ضربات المناخ أقوى وأكثر ترددا، من المرجَّح أن تتزايد معدلات هذه الهجرات ويتوسَّع نطاقها أيضا

 

العالم كما نعرفه يتغير، بدأت بالفعل الكثير من المبادرات للعمل على الحد من آثار التغير المناخي، وقد نتمكَّن يوما ما من إيقاف نفث الغازات الدفيئة وتلويث الكوكب الذي بات أقرب ما يكون إلى مصنع، أحد جوانبه موارد نحصدها، والآخر سلة قمامة ضخمة. غير أن الأثر الضار للتغير المناخي قد حضر بالفعل، ولا نعرف إلى أي مدى سيستمر حتى بعد إتمام جهودنا لاحتوائه على أكمل وجه، بفرض أن السياسيين اتفقوا على أخذ الأمر بجدية يوما ما!


© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير