"لا أعرف النوم ولا أستطعم من لذات الحياة سوى الأكل، لا أتفسح سوى بين الأطباق، ولا أخاطب الناس إلا على الموائد، لا أستلذ غير الحلويات، ولا أهضم الحياة دون أن أمضغ كيلوغرامات من الشامية المسكرة (الغارقة بالسكر أو القطر) قبل النوم".
ويروي محمد بن قنيف ابن مدينة البليدة الجزائرية قصته مع السمنة المفرطة، يصف وضعه للجزيرة نت "لم أستطع حمل والدي ووضعه في قبره، كنت معاقا لا يعرف طريقه للتغيير، أغشي عليّ بسبب السّكري، فلم يستطع أحد تحريكي وحملي".
يصف آلامه قائلا "إنسان لا يكاد يراه من حوله رغم كبر حجمه، أستحي أن أسبح، بل لا أقوى على ذلك، كنت كالمسجون داخل جسده".
بدأت القصة في سن الـ13 حين كان محمد يشتغل في بقالة والده، يأكل الحلويات طوال الوقت إلى أن فلتت الأمور من يده، على مشارف 18 عاما كان قد تجاوز وزنه حاجز 110 كلغ، بعدها بسنوات قليلة بلغ 165 كلغ.
ويضيف للجزيرة نت "قضيت العشرينيات بين علب الحلويات، إلى أن بدأت تظهر عليّ أعراض السكري، وفعلا استدعى وضعي وصف الأنسولين بعدما بات يرتفع إلى 6 غرامات، لم أعش يوما ولا كرّمت جثتي بالدفن، كتلة من الشحم تمارس غريزتها في حب البقاء".
"قد تفقد بصرك في أي لحظة"، جملة قالها طبيب العيون لمحمد، في حين خاطبته طبيبته قائلة "أنت تحاول الانتحار كل يوم، وقد تنجح محاولتك يوما ما ودون سابق تخطيط".
يروي إحدى القصص التي عاشها "اشتدت أعراض السكري لديّ ولم أعد أقوى على الذهاب للمرحاض كل 10 دقائق خاصة في الليل، فأحضرت زوجتي لي وعاء في الغرفة لتخفف عني تعب التنقل للمرحاض ليلا".
ويضيف "في يوم استيقظنا ورأينا عددا هائلا من النمل يلتف حول إناء البول الخاص بي، لقد جذبته النسبة العالية للسّكر في الدم".
يواصل "استيقظت أنظر لنفسي في المرآة، شاب في بداية عقدي الرابع، لا أشبه الشباب في شيء، أنتظر دوري في طابور الأموات بعدما أكدت لي الطبيبة أن تحليل السكري لثلاثة أشهر أو ما يعرف بـ"الغليكي" (التراكمي) بلغ 14 بدل 5 عند الإنسان الطبيعي".
خاطبتني قائلة "علميا ستموت، فخرجت من عندها متوجها نحو أقرب محل لبيع الحلويات أكلت قطعا مسكّرة واستلقيت، كنت أعيش على الهامش، أتفرّج على الناس وهم يمارسون الحياة"، يقول محمد (43 عاما).
"أشرب 15 لترا من الماء يوميا بسبب السّكري، لا يعيرني أحد اهتمامه لأنني لا أصلح سوى لجلسات الموائد الدسمة والمحلّاة، أصبحت لا أقوى على الصوم، أقضي يومي الرمضاني طريح الفراش كنت كمن لا قيمة له".
"بعدما أصاب السكري عيني قررت أن أغير حياتي، توجهت للطبيبة وبعدها لمدرب الرياضة، كان ذلك في الخامس من يونيو/حزيران 2021، توقفت عن استهلاك أي نوع من أنواع السكري"، يضيف محمد.
يواصل "عانيت من أعراض انسحاب السكر، دخلت في مرحلة اكتئاب ولكنني لم أتوقف عن مساري الذي انطلقت فيه".
يضيف "مرت عليّ ليال كنت أبكي فيها بسبب الجوع أو حاجتي للسكريات، ولكنني تمسكت بقراري وواصلت، كنت أمشي يوميا مسافات تصل 40 كلم، سرت من مدينتي البليدة لقلب العاصمة الجزائر".
"كانت أعراض انسحاب السّكر شديدة، كالعصبية الزائدة والقلق وعدم القدرة على النوم والشعور الدائم بعدم الشبع، لا أستطيع أحيانا حتى الوقوف من شدة الشعور بالتعب ولكنني رغم كل ذلك لم أتراجع..".
"بعدها بدأ جسمي يتغير تماما، زال الانتفاخ، الغازات، آلام الرأس والأرجل، لمست النتيجة بعد فترة وجيزة من مقاطعتي للسم الأبيض، إلى جانب أن جودة نومي أصبحت عالية، أصبحت أنام ليلة كاملة"، يردف محمد.
ويضيف "أول مرة صعدت الميزان خلال رحلتي العلاجية تلك كانت بعد شهر من انطلاقي، خسرت 18 كيلوغراما، لحظتها زادت عزيمتي وكنت مستعدا للامتناع عن الأكل إن تطلب الأمر".
واصل محمد مسيرته في طريقه نحو الهدف، انخرط في جمعية مختصة في مجال المشي الجبلي، بات يمارس هذه الرياضة ويشارك في مسابقات ماراثونية.
خسر محمد في ظرف 7 أشهر أزيد من 85 كيلوغراما، ليصبح وزنه اليوم 83 كيلوغراما، بعدما انطلق من نقطة 165 كيلوغراما، تخلى عن الأنسولين وحتى أدوية السّكري، وتؤكد طبيبته أنه لن يحتاجها مدى الحياة إن واصل على هذا النمط المعيشي.
ويستعد الشاب حاليا لخوض ماراثون مشي 55 كيلومترا جبلية مستلهما قول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي "من يتهيب صعود الجبال .. يعش أبد الدّهر بين الحفر".