الأنباط -
الأكاديمي مروان سوداح
تَشهد منطقتنا العربية في آسيا وأفريقيا أزمات متلاحقات منذ استقلال دولها وتكنيس الاستعماريين. واتّساقًا مع عملية التحرّر الناجز، تابعنا بألمٍ في الواقع اليومي للمملكة الأردنية الهاشمية تلاحق قوافل الشهداء الذين ارتقت أرواحهم الطاهرة إلى الأعالي لتتمجّد إلى الأبد، فارتوت أرضنا الطهور من دمائهم الزكية القانية، لتُعاين بطولات عظيمة على تراب الأردن وفلسطين، يذكرها التاريخ العالمي بنارٍ ونور باسم استقلال ومنعة الدولة الهاشمية وشعبها والأمة العربية، وصيانة حدودها الجيوسياسية التاريخية.
الأردن يَقع جغرافيًا في وسط منطقة تعج بأزمات وبراكين تاريخية منذ بدء الخليقة وتأسيسه، وتعاقبت على استعمار أرضه مختلف الإمبرطوريات والدول الأقوى التي تطلّعت أبدًا إلى توسّع لا يتوقف عند حدود مائية أو ترابية. قبل مئة سنة حرّر الهاشميون ثرى الأردن، وأقاموا دولتنا الوطنية والقومية التي رأت الأمة فيها بصيص نورٍ اتّسع سنة في إثر سنة ليشملها بأكملها، وليظلّلها بأعياد الاستقلال المتلاحقة التي تشع نورًا عظيمًا وضًاءًا على العالمين.
لقد برز الأردن منذ تأسيسه عَلمًا يُرفرف خفاقًا على مساحة العالم العربي برمته، وصادقه وتحالف معه العالم الإسلامي ومختلف الدول بشتى أيديولوجياتها ومصفوفاتها الفكرية والسياسية، إذ أدركت فيه مُحركًا أبديًا وعَقلًا وسطيًا لتوليد المحبة والوئام والانسجام اللامتناهي واللامحدود بين بني الإنسان، احترامًا لرسائل السماء التي انبثقت على أرضه المِعطاءة والمباركة على يد الأنبياء والقديسين، إذ وطأتها أقدام أنبياء الله موسى والسيد المسيح و هارون و سليمان وغيرهم.. عليهم السلام، فظللت خيمة رب العالمين الهاشميين وكل مَن التف من حولهم مُنَاصِرًا ومُكَافِحًا معهم، وحَمى المولى عز وجل المملكة الجديدة من كل شرير وحاقد ومتآمر ودخيل، ومن لصوص الليل وحيّات النهار وسُرّاق العتمة البرانية، الذين تتكشف أوراقهم بسهولة في أردن الرسالات والسلام والمَنعة والجيش القَوِيّ والمَتِين والصَلد.
احتفلنا منذ فترة قصيرة بالنصر المؤزّر في معركة الكرامة الخالدة، حيث وأد الجيش العربي الباسل جيش الاحتلال الصهيوني، وهزمه على يد أبطاله هزيمة ساحقة وماحقة شهدت عليها أمم العالم ودوله. وفي أجواء هذه المناسبة العظيمة التي نُخلّد فيها ذكرى شهدائنا الأبرار، نفاجأ بضربة خنجر في الظهر، من أولئك الذين يعيشون بيننا، ويأكلون من طعامنا، ويشربون من مائنا، ويستنشقون من هوائنا، فيا لهم من ناكرين للجميل، ومنقلبين على دمهم وتاريخهم ونسبهم المحمدي، وعلى السيد المسيح الذي بارك أرضنا وخصّها برسالته وبركاته.. التاريخ لن يَغفر لهم ولأمثالهم. لقد كنّا نأمل منهم المساهمة في تعزيز سلام الأردن وأمنه والمنطقة، لا في توجيه سِهام الحقد إلى قلبه، والنيل من كرامته وقيادته الهاشمية الفذة وشعبه ومناضليه وركائزه التاريخية التي تتجسد في الهاشميين حُماة الدين والديار، حُرّاس الماضي والحاضر والمستقبل الذي تُزهر فيه مملكتنا وتزدهر بألوان قوس قزح الهاشمية.
أعجب مِن أولئك الذين لا يعني الأردن لهم لا سماءً ولا جودًا ولا مستقبلًا، فهم كمَثل الطارئ في الأرض بكل معاني الكلام ومفردات اللغة.
دولتنا الهاشمية هي خيمتنا الوادعة والكريمة والعالية الأخلاق والقِيم، والسماوية المعاني التي تتحلى بها وتسمو إلى الأعالي.. إنها خيمة مليكنا المُفدى سيدي عبدالله الثاني العظيم، الذي يبادله شعبه حبًا بحب، وولاءً بولاء، ليبقى الأردن هاشميًا عزيز الجانب، وتُرسًا صلبًا للأمة العربية، يُعظم معاني وجودها الفاعل في منطقتنا، منطقة الأزمات الأبدية. دولتنا يُضرب بها المَثل منذ تأسيسها قبل قرن، وما زالت مثلًا يُحتذى في التطور السلمي والواعي والانسجام مع تطلعات الشعوب. فمنذ قرن واحد، سجلت الدولة الأردنية نجاحات إثر نجاحات باهرات، وها هي قد غَدَت مفخرة للإنسانية في مختلف حقول العلوم والمَعَارِف، ذلك أنها تستند إلى أرضية ملكية لعبدالله الثاني الذي يَحفظ رسالة الآباء والأجداد كابرًا عن كابر.
حَمى الله الأردن وشعبه والأمة العربية من كل مكروه، وسدّد على طريق الفلاح والسؤدد السبيل القويم لجلالة الملك عبد الله الثاني المعظم، وهو الأب الحاني والحامي للأُردن وشعبه، وصخرة الزاوية وعنوان الانتماء والإخلاص للوطن حاضرًا ومستقبلًا.