النهار العربي-
قد تترجم عبارات الخوف والعزلة الاجتماعية والشعور بالضياع وعدم الأمان مفتاح عامٍ كان مملوءاً بالأحداث المتسارعة. هذه الأحداث وضعت كل فردٍ في دائرة من الهواجس والقلق الناجمة عن الصدمات النفسية. إذ شعر كُثر بأنّ حياتهم تبدّلت بين ليلة وضحاها، وباتوا أسرى منازلهم أو مقيدين بمسافة أمان لا تقلّ عن مترين أينما وجدوا. هذا عدا عن التغيّر في العادات الاجتماعية، إذ توقف عناق الأحبّة وتقبيل الأقارب ومنهم من فقد عزيز عليه من دون السماح بتوديعه. فكيف أستطيع أنّ أخطط للعام المقبل؟ وهل أحمل معي تأثيرات العام الماضي؟
برأي مدربة الطاقة كايت مقدم أنّه من الصعوبات تولد الفرص، إذ قدمت هذه السنة التي عوّل عليها كُثر بالتغيير، ومنهم من حقق نصيباً من النجاحات، درساً مهماً للعالم أجمع، يُختصر بـ "توقع ما لا تتوقعه". هذه المقولة تحثّ المجتمعات على تقبل فكرة التأقلم والتقدم ضمن الدائرة التي يتواجدون فيها.
وبالتالي، عند التفكير بوضع خطط للعام الجديد، يجب أنّ تنطلق من مبدأ التركيز على طرق تساعد على التطور في الوعي وتؤمن في آنّ معاً الحماية المطلوية للأيام المنتظرة. هذه الخطوة ليست بالصعبة، كل ما تحتاجه يتعلق بـ"توزيع طريقة التفكير الفردي كي نصبح كتلة أشخاص تفكر بطريقة موحدة من أجل التغيير".
ولكنّ ماذا عن الصدمات النفسية التي مرّت بها المجتمعات؟
هذا السؤال الذي يطرح بكثرة في الآونة الأخيرة، أشارت إليه مقدم بمدى قدرة الفرد، كونه المسؤول الكامل عن طريقة أفكاره، على برمجة دماغه والتخلص من الصدمات القوية أو التروما التي تعرض لها. وذلك يعود إلى أنّ الدماغ يتوقف على الحدث الذي ألّم بنا من دون معرفتنا بالتعامل معه وكيفية التخلص منه.
لذا، من الضروري، مساعدة أنفسنا على إزالة هذه التروما من خلال تقبلها والإعتراف بحدوثها، كي يتمكن الفرد البدء من الصفر ومن ثمّ التركيز على لحظة الحاضر من أجل تدريب أنفسنا على مرونة التعاطي مع الأحداث بوعي أكثر.
باختصار، إنّ قوة اللحظة هي فرصة لتغيير أنفسنا وتخطي القصص السلبية، ومن أهم الأمثلة على ذلك: إنّ التركيز على الشيء يضاعفه، أي إذا ركزنا على الخوف يكبر، وعلى العمل يزداد. وعليه، يجب وضع التركيز على أهدافنا المستقبلية.
في هذا السياق، ذكرت مدربة الطاقة وسيلة مهمة من أجل التفكير الإيجابي بالغدّ. وتتمثل بالكتابة على ورقة وقلم جميع القصص التي أثرت فينا، ومن ثمّ البحث عن طرق لإطلاق سراحها والاعتراف بها، بهدف نقل التركيز من الماضي إلى الحاضر.
وتتطلب هذه الوسيلة القدرة على التغيير عبر زيادة التوعية والتعلم والاهتمام بصحتنا النفسية. إلى جانب السيطرة على عقولنا، لأنّها الشرط الأساسي للنجاح وتخطي الصعوبات. إذ إنّه عندما يتعب العقل يفقد قدرته على العطاء في أي مجال كان.
وعليه، يجب تنظيف طريقة تفكيرنا والتعامل مع التراكمات التي حدثت من أجل توجهيها والانتاج بالاتجاه الصحيح، والتهيؤ لكل ما قد ينتظرنا من أحداث لن ترافقنا طيلة حياتنا.
وحول العوائق التي قد تواجهنا في عامنا المقبل، أوضحت مقدم أنّ الفرق بين البلدان الناجحة وقيد التأسيس هي المكان الذي تضع فيه تركيزها، وكيفية استثمارها للعقول والطاقات والشغف. كلما تطورنا من أنفسنا، كلما يتسع النطاق وتتضح الصورة أكثر. في المقابل، يجب استبدال العقلية المظلومة بالقوة والتعلم.
بناءً على ما ذُكر، عند وضع خططنا للعام المقبل، علينا أنّ نأخذ قيد الاعتبار برمجة كلامنا والتعابير التي نستخدمها للدلالة على الأمور من سلبي إلى ايجابي. كذلك، برمجة دماغنا على التعاطي مع الصعوبات كتحديات نستطيع تجاوزها، لأنّ "طريقة تفكيرنا إما ترفعنا وإما تنزلنا".