الأنباط -
طالما حلم الأردنيون أن يمن الله عليهم بحكومة أبعد ما تكون عن الشعارات الهدامة التي كانت عنوانا أساسيا في عمل أغلب الحكومات المتعاقبة، وهذا الحلم الذي ضل بعيدا عن التحقيق ساهم إلى حد بعيد بأن تزداد فجوة الثقة بين طرفي المعادلة المتمثلة بالمواطن والسلطة التنفيذية.
حلم أن يتعافى الاقتصاد بقي حبر على ورق، وكل مشاريع النهضة كانت بمثابة سراب، وحلم الاصلاح السياسي ما يزال بعي المنال لأن لا أحد يكترث به، وحلم أن ينعم المواطن بالخدمات الأساسية من تعليم وصحة ونقل تحول إلى كابوس، وما يزال الناس يعيشون تحت وطأة الفقر وارتفاع نسب البطالة.
اليوم، ولأن الاردنيون واقعيون فإنهم ينظرون إلى حكومة الدكتور بشر الخصاونة بنظرة المترقب لأن تكسر هذا الحاجز وتخترق قلوب المواطنين عبر تحقيقها منجزا على الأرض بعيدا عن استغلالهم والاستثمار بجيوبهم من أجل مساعدة الموازنة العامة، وتحسين الإيرادات المالية.
ولأنهم يراقبون كل ما يبوح به هذه الحكومة ومقارنته بالحقيقية، فإن الواقع يقول أن ما تقوم به حكومة الخصاونة اليوم يتسم بالهدوء، ويبتعد عن البطولات الزائعة، بانتظار أن يستمر هذا النهج إلى أبعد حد، وأن ينعكس ذلك أثرا إيجابيا.
الإعلان عن بلاغ الموازنة العامة وخلوه من فرض جديد للضرائب رغم التحديات والصعوبات التي تواجهها الدولة جراء تراجع الإيرادات، أو ثباتها على أحسن الأحوال، فهذا يبعث برسالة طمأنينة للمواطنين، ممن يعلون أن يرافق ذلك إجراءات تساهم في أن ينعموا بحياة طبيعية، وأن تستقر نفوسهم بأنهم لم يعودوا الحل الأسهل للانقضاض عليهم وعلى دخولهم وأرزاقهم.
برنامج الحماية الاجتماعية الذي ستعلن عنه الحكومة الاسبوع المقبل ويستهدف المتضررين من جائحة كورونا، سيكون بمثابة نقطة فاصلة في معادلة العلاقة الثنائية بين الطرفين، لذا على الحكومة أن تدرك جيدا أنها أمام مرحلة فاصلة من تاريخها، بحيث يترتب عليها أن تعلن عن برنامج واقعي شامل وعلمي، قائم على دراسات مستفيضة وقابل للتطبيق. لا نريد أن نعود إلى بحر الأوهام الذي نأمل أن نتخلص منه.
إن الالتزام بإعادة العمل بالزيادات والعلاوات التي توقفت مؤقتا جراء كورونا، والتأكيد على عودة صرفها بداية العام المقبل، رغم الوضع المالي الصعب، والعجز المتوقع في الموازنة العامة للعام 2021، وصعوبة توفير المخصصات لذلك، خصوصا وأنها تأتي بالتزامن مع زيادة الانفاق على القطاعين الصحي والأمني كنتيجة لمتطلبات المرحلة، هذا الالتزام يسجل للحكومة، ويمنحنا مؤشرات إيجابية.
دائما الحفاظ على ما يتم بناءه أصعب من البناء ذاته، لذا فإنه من الضروري في مكان أن تدرك الحكومة أنها أمام طريق طويلة، مليء بالتحديات والضغوطات من كافة الاتجاهات، لذا عليها أن تلتزم بهدوءها وأن تتعامل مع كافة الملفات بتأني وعدم تسرع، وأن لا تخرج على الناس إلا بما هو منجز أو قابل للتنفيذ، إذ أن العودة إلى الوراء في علاقتها مع الشارع يعني مزيدا من التدهور في كل شيء.