الأنباط -
غريب أمر الشارع الأردني، وبصورة ادق يمكن القول أننا نكتشف طباع وصفات وسلوكيات ليست هي تلك التي اعتدنا أن نشاهدها في هذا المجتمع، فحجم التنمر الذي نلمسه في حديث هؤلاء وتصرفاتهم غير مقبول ولا يمكن تصديقه. مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال صفحات أغلب المواطنين تنبعث منها رائحة غير زكية، رائحة لا تمت لعاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا بشيء.
من انتخب النواب؟، بالتأكيد ليسوا مواطني أميركا أو تنزانيا أو الصين، إنهم نحن، الأردنيون ممن مارسوا حقهم الدستوري باختيار ممثليهم في مجلس النواب، اختيار يفترض أن يكون الهدف منه انتخاب الصالح من أجل الصالح العام. توجهنا لصناديق الاقتراع من أجل ذلك، لكن سرعان ما أطلقنا العنان مبكرا لمكنوناتنا الداخلية وبتنا ننتقد هذا، ونهاجم ذاك، ونرفض ونحتج، ونخمن، ونفسر ونحلل.
استبقنا كل شيء وحكمنا على المجلس بأنه فاشل، ونسينا أننا عندما كنا نهاجم النواب كنا نفعل ذلك لسببين لأن الوجوه التي تفوز هي ذاتها، ولأنها لم تفعل شيء يذكر خدمة للوطن والمواطنين، أما اليوم فنحن أمام نحو 100 نائب جديد، من أصل 130 نائبا منتخبا من قبل سكان هذه الدولة.
سيدة أردنية هي الاصغر سنا من بين النواب المنتخبين، ربما عندما كنا في عمرها كنا نعيش فراغا، بينما هي خاضت حربا ضروسا مع شخصيات كبيرة للفوز بمقعد نيابي، ونجحت بذلك وحققت أصواتا انتخابية كبيرة، ومع ذلك لم تسلم من ألسنتنا، فخطأ بسيط منها على شاشة تلفاز، يمكن أن يصيبنا جميعنا، كان علكة في ألسن رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لم يحرموها ولم يرحموا أنفسهم. كما قلت سابقا إنها رائحة نتنة نشتمها من فوضى الفيس بوك وتوتير.
وسارعنا للتقليل من منجز الفائزين لأن من ندعم من أبناء عشيرتنا أو أنسبائنا، أو اصدقائنا لم يحالفه الحظ ورسب. قتلنا فرحة هؤلاء بما حققوه، وحرمناهم الاستمتاع بالنصر، وكنا كما "كورونا" ويل عليهم وطامة كبرى. مواقع التواصل الاجتماعي تحولت إلى ساحات اغتيال واحباط وكره غير مسبوقة.
اليوم الدولة تمر في أصعب ظروفها، ورغم كل التحديات نجحت في تجاوز استحقاق دستوري تمسكت به كرسالة للعالم، واستخسرنا أن نتغنى بذلك، ولم نتوان عن الخروج إلى الشوارع حاملين على أكتافنا بنادقنا وأسلحتنا، لنطلق الرصاص في احتفالات وهمية زائفة، هددت حياة الناس، واشغلت الدولة بكافة أجهزتها في البحث والتحري عن هؤلاء الخارجين عن القانون.
كورونا تأخذ من حياتنا الكثير الكثير، والوضع الاقتصادي يؤرق مضاجعنا، والناس في فقر وعوز غير مسبوق، والمجتمع منقسم على نفسه، ومع ذلك لم نعد مدركين لخطورة ما نمر به. استهتار واستهزاء من كل النواحي، والحكومة للأسف غير موجودة، لا أثر لها، ولا فعل نلمسه. الوضع لا يطاق أبدا.
على الجميع إعادة التموضع من جديد، لنكون مسؤولين أمام أنفسنا، وأمام الواجبات التي علينا، كما الدولة مسؤولة لضمان توفير حقوقنا، لكن ذلك لن يحدث إن واصلنا حبس أنفسنا بمنشور على الفيس بوك، أو بصورة مزيفة، أو بفيديو ينشر ويتم تناقله بصورة غير مسؤولة. الوضع لا يحتمل المزيد من التدهور. الأمر يحتاج إلى التفافة حقيقية، فهل نفعل؟.