واستكمل حديثي عن أوراق ترامب الانتخابية بالحديث عن الورقة الأهم والتي لعب بها ترامب منذ بداية تسلمه سلطاته كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، وهي ورقة قضية الشرق الاوسط والتي صرح منذ استلامه سلطاته انه سيجد حلاً لها. ولكي يكسب المسيحية الصهيونية الانجيلية وجماعات اليمين الشعبوي والايباك ومنظمات اللوبي الصهيوني والمحافظين البيض والطبقة العاملة والذين كانوا وراء فوزه في الانتخابات الماضية الى جانبه، فقد احاط نفسه بمسؤولين من هذه الجهات ومنهم جاريد كوشنير اليهودي الأمريكي وزوج ابنته ايفانكا والذي عينه مستشاراً له وسلمه ملف الشرق الأوسط والذي اخذ يعمل على اعداد حل لقضيته بالتعاون مع العديد من المسؤولين الاميركيين المناصرين لإسرائيل. ثم كانت العلاقة الجيدة التي ربطته برئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو والتي زادها قوة المصالح الخاصة لهما في دعم كل واحد منهما للآخر وخاصة انهما كانت تلاحقهما الاتهامات بسوء التصرف او الفساد وكانا معرضين للمحاكمة. وقد سعى ترامب من وراء تحالفه مع نتنياهو لتقوية موقفه الداخلي وضمان دعم القوي الانجيلية واليمينية المتطرفة والداعمة لإسرائيل له في الانتخابات القادمة. فيما سعى نتنياهو للحصول على دعم من ترامب يقوي مركزه الداخلي ليفوز برئاسة الحكومة الإسرائيلية والتهرب من محاكمته عن التهم المسندة اليه. ولذلك فقد قام ترامب بتقديم عدة هدايا لنتنياهو على حساب الفلسطينيين وحقوقهم وعلى حساب العرب اجمعين. وكانت البداية بالاعتراف بضم منطقة الجولان المحتل لسلطات الاحتلال بحكم الامر الواقع ومن غير سند قانوني او دولي. ثم قرر الاعتراف بالقدس عاصمة ابدية وموحدة وتاريخية للدولة الصهيونية ونقل السفارة الاميركية اليها. وبنفس الوقت كان يجري الحديث عن صفقة يتم الاعداد لها من غير الإعلان عن تفاصيلها لحل الصراع في المنطقة وكانت البداية في ورشة المنامة الاقتصادية والذي قرر تقديم مبالغ من الأموال على شكل منح واستثمارات وقروض لدول المنطقة وبهدف تطويرها وهي في الحقيقة لخدمة الدولة الصهيونية وربطها بدول المنطقة. ولقد ولدت هذه الخطة الاقتصادية ميتة لعدم اقتناع العالم بها مما انعكس على ضعف تمثيل الأطراف المشاركة في هذا المؤتمر وحتى من قبل اطرافه الرئيسية.
ثم عاد الحديث عن حل سياسي والذي اطلق عليه مصطلح صفقة القرن والذي كان يضع تفاصيله جاريد كوشنير والذي تأخر الاعلان عنه مراراً وتكراراً وحتى نجح نتنياهو بأن يصبح رئيس وزراء الدولة الصهيونية بعد ثالث انتخابات نيابية وبعد ان اقتربت الانتخابات الامريكية ليهدي ترامب هذه الخطة لأنصاره من الصهاينة واليمين المتطرف.
وفي مؤتمر صحفي عقد في واشنطن بمشاهد هزلية تم الاعلان عن تفاصيل صفقة القرن والتي تتضمن ضم الدولة الصهيونية مساحات واسعة من الضفة الغربية المحتلة وتشمل المستعمرات التي اقامتها فيها ومنطقة الاغوار ومناطق في شمال الضفة الغربية بحيث لا يبقى للفلسطينيين الا جزراً متقطعة الاوصال ومنعزلة يمكنهم اطلاق اسم دولة فلسطين عليها من غير ان يكون لهذا الدولة سيطرة الا على سكانها، وأن بإمكان هذه الدولة ان تختار اية بقعة من ضواحي القدس لتكون عاصمة لها وبإمكانهم ان يطلقوا عليها اسم القدس الجديدة. لكن مع الأيام ثبت لترامب صعوبة تنفيذ صفقته هذه لرفض السلطة الفلسطينية والأردن لها وعدم موافقة حتى الدول الحليفة لاميركا عليها. ثم خرج علينا ترامب بخطة جديدة تعتمد على عقد معاهدات انهاء حالة الحرب بين بعض الدول العربية والدولة الصهيونية على ان يتبع ذلك إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية واجتماعية بين هذه الدول والدولة الصهيونية. وقد تكون هذه الخطة هي التي كان يعمل عليها ترامب في الخفاء وان الاعلان عن صفقة القرن وخطة الضم والطريقة الهزلية التي تمت بها ليست سوى لذر الرماد بالعيون.
ولا يزال ترامب يعمل على توقيع دول عربية اخرى على مثل هذه المعاهدات ليقدمه كانجاز سياسي غير مسبوق. حيث انه قال ان خمس دول عربية ستوقع على مثل هذه المعاهدات قبل الانتخابات على ان توقع عليها بقية الدول العربية فيما بعد حسب زعمه وبهدف فصل تطبيع العلاقات ما بين هذه الدول والدولة الصهيونية عن القضية الفلسطينية. وانه هو الذي حقق هذا الانجاز العظيم الذي لم يسبقه اليه رئيس امريكي سابق.
ويضاف الى ذلك نجاح ترامب بتحقيق اتفاق بين الدولة الصهيونية ولبنان بكافة اطيافه ومذاهبه وفصائله على عقد اتفاقية ترسيم الحدود المائية بينهما والتي كانت موضوع نزاع لما تحويه هذه المياه من ثروة نفضية هائلة وما يشاع عن اتفاقيات اخرى على الطريق .
كما سعى ترامب الى تحقيق اتفاق بين اثيوبيا من جهة وبين مصر والسودان حول موضوع سد النهضة التي تقيمه اثيوبيا في أراضيها وعزمها على ملئه بالمياه خلال فترة قصيرة مما سوف يحرم مصر والسودان من حصصهما في مياه النيل ويلحق بهما اضراراً بالغة. الا انه وبعد التوصل لاتفاق في هذا الخصوص وقعته مصر والسودان ورفضت اثيوبيا توقيعه، خرج علينا ترامب بتغريدة تقول ان مصر قد تقوم بضرب السد وتدميره وانها على حق ان فعلت ذلك بالرغم من ان الدولة الصهيونية حليفته وداعمته في الانتخابات هي التي تدعم اثيوبيا في بناء السد ووفرت لها الإمكانيات المادية والفنية والحماية العسكرية. ويبدو ان له اهدافاً من تصريحاته هذه قد تتضح خلال الايام القادمة وقبل الانتخابات. كما انه ليس بمستبعد ان يكون لدى ترامب اوراقاً اخري يمكن ان يلعب بها حتى اللحظات الاخيرة قد يكون لها نتائج مدوية تغير كل التوقعات والدراسات.
لقد قام ترامب بكل ذلك في سبيل ان يضمن فوزه في الانتخابات القادمة على خصمه الديمقراطي جو بايدن. صحيح ان استطلاعات الرأي حتى الآن تعطي بايدن الاسبقية والتي لا يلقي ترامب بالاً اليها كما فعل في الانتخابات السابقة، بل يخرج الى الشارع ويلتقي مع انصاره ومؤيديه في مظاهر احتفالية وهزلية مؤكداً لهم انه لا محالة هو الفائز وان اي نتيجة غير ذلك هي عملية تزوير وهو يستند في ذلك الى قاعدة انتخابية صلبة مكونة من القوى المحافظة والعنصرية البيضاء واليمين المتطرف مؤمنة ايماناً مطلقاً بفوزه في هذه الانتخابات والتي لا يستبعد نزولها الى الشارع لو كانت النتيجة عكس ذلك وخاصة لوجود مليشيات مسلحة ضمن قاعدته الانتخابية مثل مليشيا Proud Boys التي رفض ترامب ادانتها في مناظرته الاولى مع منافسه بايدن . كما ان ترامب من الممكن ان يستفيد من نقاط الضعف عند خصمه والذي يطلق عليه لقب بايدن النائم والذي عرف بضعفه اثناء عمله كمساعد لباراك اوباما خلال الدورتين الماضيتين. كما ان عمر بايدن عند الانتخابات سيكون 78 عاماً ويعاني أحيانا من ظاهرة النسيان ويظهر عليه عدم الحيوية ، فيما يبدوا ترامب والبالغ 73 عاما اكثر حيوية ونشاطاً منه مما قد يضع الناخب الأمريكي امام احتمال ان يتوفى بايدن في حال فوزه واثناء مدة ولايته مما سيعني ان تصبح المرشحة الحالية لمنصب نائب الرئيس عن الحزب الديمقراطي السيناتور عن ولاية كاليفورنيا كامالا هاريس ذات الاصول الهندية الجامايكية رئيساً للولايات المتحدة الامريكية وهي التي لا تملك الخبرة الكافية لتولي هذه المنصب . ولكن ما يميزها انها في الخمسينات من عمرها وانها ستكون اول سيدة تشغل منصب نائب الرئيس و اول شخص من ذوي البشرة السوداء يشغل هذا المنصب مما يشكل عامل دعم نسائي ومن اصحاب البشرة السوداء الى جانب جو بايدن والذين قاطع الكثيرون منهم الانتخابات السابقة .
وعلى ضوء ذلك فسوف تكون انتخابات الثالث من شهر تشرين الثاني القادم تختلف عن اي انتخابات سابقة ويمكن ان تشهد اعلى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات الامريكية ، حيث انه حتى يوم الاربعاء الماضي بلغ عدد من ادلوا باصواتهم في التصويت المبكر 71 مليون ناخب منهم حوالي 48 مليون عن طريق البريد وحوالي 23 مليون بالتصويت المباشر . وقد تجاوز هذ الرقم يوم الجمعة الماضية وهو آخر يوم بالتصويت المبكر 85 مليون ناخب . وهذا الرقم يمثل حوالي نصف عدد الذين شاركوا بالتصويت في الانتخابات السابقة مما يؤشر الى ان عدد المصوتين في هذه الانتخابات سيبلغ رقماً غير مسبوق ، وان كان يمكن تفسير هذا العدد بسبب وباء كورونا وتفضيل نسبة كبيرة من الناخبين الادلاء باصواتهم مبكراً . ويبقى العامل الحاسم الى اين ستذهب اصوات الولايات المتأرجحة ولصالح من . علماً انه وبالرغم من استطلاعات الرأي فأن الشعور العام لدى الشعب الاميركي بأن ترامب هو الذي سوف يفوز ، ويعزوا انصاره ذلك الى قوتهم ، فيما يعزوه الديمقراطين الى الاسلوب الاحتيالي الذي يتبعه ترامب .
كما ان هذه الانتخابات لن تظهر نتيجتها في ليلية الانتخابات ولا في اليوم التالي كما هي العادة، وربما تستغرق بضعة أيام قد تصل الى عشرة حتى يتم فرز الأصوات عن طريق البريد، حيث يتوقع ان يكون السيناريو ليلة الانتخابات بان يعلن ترامب فوزه في التصويت الشعبي وذلك لأن انصار ترامب وكما دعاهم سيقومون بالتصويت المباشر فيما ان معظم انصار بايدن سيقومون بالتصويت عن طريق البريد كما دعاهم بايدن وهو التصويت الذي وصفه ترامب بأنه اكبر عملية تزوير انتخابات في التاريخ . وبذلك يتوقع ان يقوم اغلب المصوتين تصويتاً مباشرا في ذلك اليوم بالتصويت لترامب. واذا قلب التصويت عن طريق البريد النتيجة فيما بعد لصالح بايدن ، فأن ترامب سيعتبر ذلك دليلاً على التزوير الدي أشار اليه، ولن يسلم الدفة لخصمه وسوف يعترض على النتيجة ويقاومها والى الابد كما قال. وسوف يقوم برفع سلسلة من الدعاوى القانونية لدى المحاكم وصولاً الى المحكمة العليا كما حصل في الانتخابات التي جرت عام 2000 ما بين بوش الابن وآل غور. وهذا سبب استعجال ترامب بتعين القاضية المحافظة إيمي كوني في عضوية تتلك المحكمة بدلاً من احد اعضائها الذي توفي، بالرغم من مطالبة الديمقراطيين ان يتم هذا التعين بعد الانتخابات ليصبح عدد قضاة المحكمة المحافظين من انصار الحزب الجمهوري ستة اعضاء مقابل ثلاثة فقط للحزب الديمقراطي علماً ان عضوية هذه المحكمة مدى الحياة .
انا لا ادعم الحزب الديمقراطي ولا مرشحه لأن هذا الحزب هو سبب دمار العديد من الدول العربية والحروب الاهلية والتي لا زالت مستعرة فيها، واخشى ان يترتب على عودته تجدد هذه الحروب وهذا الدمار. وانا لا ادعم الرئيس الحالي دونالد ترامب بسب أسلوبه ومواقفه ولأن احلاهما مر. ولكني لا زلت أرى ان نجاح ترامب في هذه الانتخابات لن يشكل مفاجأة بالنسبة لي وفِي أحيان كثيرة اراه هو الأرجح. ويبقى ان الولايات المتحدة الامريكية قد تكون مقبلة خلال الأيام القليلة القادمة على حالة لم تعرفها من قبل في تاريخها .